فصل: الخبر عن دولة يونان والروم و أنسابهم ومصايرهم كان هؤلاء الأمم من أعظم أمم العالم وأوسعهم ملكاً وسلطاناً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» **


  الطبقة الثالثة من الفرس وهم الأشكانية

ملوك الطوائف وذكر دولهم ومصاير أمورهم إلى نهايتها هذه الطبقة من ملوك الفرس يعرفون بالأشكانية وكافها أقرب إلى الغين من ولد أشكان بن دارا الأكبر وقد مر ذكره وكانوا من أعظم ملوك الطوائف عند افتراق أمر الفرس‏.‏ وذلك أن الإسكندر لما قتل دارا الأصغر استشار معلمه أرسطو في أمر الفرس فأشار عليه أن يفرق رياستهم في أهل البيوت منهم فتفترق كلمتهم ويخلص لك أمرهم‏.‏ فولى الإسكندر عظماء النواحي من الفرس والغرب والنط والجرامقة كلاً على عمله واستبد كل بناحية‏.‏ واستقام له ملك فارس والمشرق‏.‏ ولما مات الإسكندر قسم ملكه بين أربعة من أمرائه‏:‏ فكان ملك مقدونية وأنطاكية وما إليها من ممالك الروم لفيلبس من قواده‏.‏ وكانت الإسكندرية ومصر والمغرب لفيلادفس ولقبه بطليموس‏.‏ وكان الشام وبيت المقدس وما إلى ذلك لدمطوس‏.‏ وكان السواد إلى الجبال والأهواز وفارس ليلاقش سيلقس ولقبه أنطيخس وأقام السواد في ملكته أربعاً وخمسين سنة‏.‏ قال الطبري‏:‏ وكان أشك بن دارا الأكبر خلفه أبوه بالري فنشأ بها فلما كبر وهلك الإسكندر جمع العساكر وسار يريد أنطيخس والتقيا بالموصل فانهزم أنطيخس وقتل‏.‏ وغلب أشك على السواد من الموصل إلى الري وأصبهان‏.‏ وعظمه سائر ملوك الطوائف لشرفه ونسبه وأهدوا إليه من غير أن يكون له عليهم إيالة في عزل ولا تولية بل إنما كانوا يعظمونه ويبدؤون باسمه في المخاطبات وهم مع ذلك متعادون تختلف حالاتهم بعضهم مع بعض في الحرب والمهادنة‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ كان رجل من نسل الملوك من فارس مملكاً على الجبال وأصبهان والسواد لفوات الإسكندر‏.‏ ثم غلب بعد ذلك ولده على السواد وجمعه إلى الجبال وأصبهان وصار كالرئيس على سائر ملوك الطوائف‏.‏ ولذلك قصر ذكر هؤلاء الملوك دون غيرهم من الطوائف‏.‏ فمنهم من قال أنه أشك بن دارا كما قدمناه وهو قول الفرس وقيل هو أشك عقب أسفنديار بن كستاسب بينهما ستة آباء وقيل هو أشك بن أشكان الأكبر من ولد كينية بن كيقباذ‏.‏ ويقال‏:‏ إنه كان أعظم الأشكانية وقهر ملوك الطوائف واستولى على إصطخر لاتصالها بأصبهان وتخطاها إلى ما يتاخمها من بلاد فارس فغلب عليه واتصل ملكه عشرين سنة‏.‏ وملك بعده وقال المسعودي‏:‏ ملك أشك بن أشك بن دارا بن أشكان الأول منهم عشر سنين ثم سابور ابنه ستين سنة وغزا بني إسرائيل بالشام ونهب أموالهم ولإحدى وأربعين من ملكه ظهر عيسى صلوات الله عليه بأرض فلسطين‏.‏ ثم ملك عمه جور عشر سنين ثم نيرو بن سابور إحدى وعشرين سنة‏.‏ وفي أيامه غلب طيطش قيصر على بيت المقدس وخربها وأجلى منها اليهود كما مر ثم جور بن نيرو تسع عشرة سنة ثم جرسي أخوه أربعين سنة ثم هرمز أخوهما أربعين سنة ثم ابنه أردوان بن هرمز خمس عشرة سنة ثم ابنه كسرى بن أردوان أربعين سنة ثم ابنه يلاش ابن كسرى أربعاً وعشرين سنة‏.‏ وفي أيامه غزت الروم السواد مع قيصر يطلبون بثأر أنطيخش ملك أنطاكية من اليونان الذي قتله أشك جد يلاوش هذا‏.‏ فجمع يلاوش العساكر واستنفر ملوك الطوائف بفارس والعراق فوجهوا له بالمدد واجتمع له أربعمائة ألف من المقاتلة وولى عليهم صاحب الحصر وكان من ملوك الطوائف على السواد فزحف إلى قيصر فقتله واستباح عسكر الروم وقتل وفتح أنطاكية وانتهى إلى الخليج‏.‏ وولي من بعد يلاوش ابنه أردوان بن يلاوش ثلاث عشرة سنة‏.‏ ثم خرج عليه أردشير بن بابك بن ساسان وجمع ملك فارس من أيدي ملوك الطوائف وجدد الدولة الساسانية كما نذكر في أخبارهم‏.‏ قال الطبري‏:‏ وفي أيام الطوائف كانت ولادة عيسى صلوات الله عليه لخمس وستين من غلب الإسكندر على بابل ولإحدى وخمسين من ملك الأشكانية والنصارى يزعمون أن ذلك كان لمضي ثلثمائة وثلاث وستين من غلب الإسكندر على بابل‏.‏ قال الطبري‏:‏ وجميع سني الطوائف من لدن الإسكندر إلى ظهور أردشير بن بابك واستوائه على الأمر مائتان وستون سنة وبعضهم يقول خمسمائة وثلاث وعشرون سنة‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ ملك في هذه المدة منهم تسعون ملكاً على تسعين طائفة كلهم يعظم ملوك المدائن منهم وهم الأشكانيون‏.‏ الطبقة الرابعة من الفرس وهم الساسانية و الخبر عن ملوكهم الأكاسرة إلى حين الفتح الإسلامي هذه الدولة كانت من أعظم الدول في الخليقة وأشدها قوة وهي إحدى الدولتين اللتين صبحهما الإسلام في العالم وهما دولة فارس والروم‏.‏ وكان مبدأ أمرها من توثب أردشير بن بابك شاه ملك مرو وهو ساسان الأصغر ابن بابك بن سامان بن بابك بن هرمز بن ساسان الأكبر ابن كي بهمن وقد تقدم لنا ذكر كي بهمن وأن ابنه ساسان غضب لما توج للملك أخوه دارا وهو في بطن أمه ولحق بجبال إصطخر فأقام هنالك وتناسل ولده بها إلى أن كان ساسان الأصغر منهم فكان قيماً على بيت النار لاصطخر وكان شجاعاً‏.‏ وكانت امرأته من بيت ملك فولدت له ابنه بابك وولد لبابك أردشير وضبطه الدارقطني‏:‏ بالراء المهملة‏.‏ وكان على إصطخر يومئذ ملك من ملوك الطوائف وله عامل على دارا بجرد خصي اسمه سري فلما أتت لأردشير سبع سنين جاء به جده ساسان إلى ملك إصطخر وسأله أن يضمه إلى عامل دارا بجرد الخصي يكفله إلى أن تتم تربيته‏.‏ ولما هلك عامل دارا بجرد فأقام بأمره فيها أردشير هذا وملكها‏.‏ وكان له علم من المنجمين بأن الملك سيصير إليه فوثب على كثير من ملوك الطوائف بأرض فارس فاستولى عليهم وكتب إلى أبيه بذلك ثم وثب على عامل إصطخر فغلبه على ما بيده وملك إصطخر وكثير من أعمال فارس‏.‏ وكان زعيم الطوائف يومئذ أردوان ملك الأشكانيين فكتب إليه يسأله أن يتوجه فعنفه وكتب إليه بالشخوص فامتنع وخرج بالعساكر من اصطخر وقدم موبذان رورين فتوجه ثم فتح كرمان وبها ملك من ملوك الطوائف وولى عليها ابنه‏.‏ وكتب إليه أردوان يتهدده وأمر ملك الأهواز من الطوائف أن يسير إليه فرجع مغلوباً‏.‏ ثم سار أردشير إلى أصبهان فقتل ملكها واستولى عليها ثم إلى الأهواز فقتل ملكها كذلك ثم زحف إليه أردوان عميد الطوائف فهزمه أردشير وقتله‏.‏ وملك همذان والجبل وأذربيجان وأرمينية والموصل ثم السواد‏.‏ وبنى مدينة على شاطىء دجلة شرقي المدائن‏.‏ ثم رجع إلى اصطخر ففتح سجستان ثم جرجان ثم مرو وبلخ وخوارزم إلى تخوم خراسان وبعث بكثير من الرؤوس إلى بيت النيران‏.‏ ثم رجع إلى فارس ونزل صول وأطاعه ملك كوشان ومكران ثم ملك البحرين بعد أن حاصرها مدة وألقى ملكها بنفسه في البحر‏.‏ ثم رجع فنزل المدائن وتوجه ابنه سابور ولم يزل مظفراً وقهر الملوك حوله وأثخن في الأرضي ومدن المدن واستكثر العمارة وهلك لأربع عشرة سنة من ملكه بأصطخر بعد مقتل أردوان‏.‏ وقال هشام بن الكلبي‏:‏ قام أردشير في أهل فارس يريد الملك الذي كان لآبائه قبل الطوائف وأن يجمعه لملك واحد‏.‏ وكان أردوان ملكاً على الأردوانيين وهم أنباط السواد وكان باباً ملكاً على الأردوانيين وهم أنباط الشام وبينهما حرب وفتنة فاجتمعا على قتال أردشير فحارباه مناوبة‏.‏ ثم بعث أردشير إلى بابا في الصلح على أن يدعه في الملك ويخلي بابا بينه وبين أردوان فلم يلبث أن قتل أردوان واستولى على السواد فأعطاه بابا الطاعة بالشام ودانت له سائر الملوك وقهرهم‏.‏ ثم رجع إلى أمر العرب وكانت بيوتهم على ريف العراق ينزلون الحيرة وكانوا ثلاث فرق‏:‏ الأولى تنوخ ومنهم قضاعة الذين كنا قدمنا أنهم كانوا اقتتلوا مع ملك من التبابعة وأتى بهم‏.‏ وكانوا يسكنون بيوت الشعر والوبر ويضعونها غربي الفرات بين الأنبار والحيرة وما فوقها‏.‏ فأنفوا من الإقامة في مملكة أردشير وخرجوا إلى البرية‏.‏ والثانية العباد الذين كانوا يسكنون الحيرة أو وطئوها‏.‏ والثالثة الأحلاف الذين نزلوا بهم من غير نسبهم ولم يكونوا من تنوخ الناكثين عن طاعة الفرس ولا من العباد الذين دانوا بهم فملك هؤلاء الأحلاف الحيرة والأنبار وكان منهم عمرو بن عدي وقومه فعمروا الحيرة والأنبار ونزلوا وخربوها وكانتا من بناء العرب أيام بختنصر ثم عمرها بنو عمرو بن عدي لما أصاروها نزلاً لملكهم إلى أن صبحهم الإسلام‏.‏ واختط العرب الإسلاميون مدينة الكوفة فدثرت الحيرة وكان أردشير لما ملك أسرف في قتل الأشكانية حتى أفناهم لوصية جده ووجد بقصر أردوان جارية استملحها ودفعت عن نفسها القتل بإنكار نسبها فيهم فقالت‏:‏ أنا مولاة وبكر فواقعها وحملت وظنت الأمن على نفسها فأخبرته بنسبها فتنكر ودفعها إلى بعض مرازبته ليقتلها فاستبقاها ذلك المرزبان إلى أن شكا إليه أردشير قلة الولد والخوف على ملكه من الانقطاع وندم على ما سلف منه من قتل الجارية وإتلاف الحمل‏.‏ فأخبره بحياتها وأنها ولدت ولداً ذكراً وأنه سماه سابور وأنه قد كملت خصاله وآدابه فاستحضره أردشير واختبره فرضيه وعقد له التاج‏.‏ ثم هلك أردشير فملك سابور من بعده فأفاض العطاء في أهل الدولة وتخير العمال ثم شخص إلى خراسان فمهد أمورها ثم رجع فشخص إلى نصيبين فملكها عنوة فقتل وسبى وافتتح من الشام مدناً وحاصر أنطاكية وبها من الملوك أريانوس فاقتحمها عليه وأسره وحمله إلى جندي سابور فحبسه بها إلى أن فاداه على أموال عظيمة ويقال على بناء شاذروان تستر ويقال جدع أنفه وأطلقه ويقال‏:‏ بل قتله‏.‏ وكان بجبال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها الحضر وبها ملك من الجرامقة يقال له الساطرون من ملوك الطوائف وهو الذي يقول فيه الشاعر‏:‏ ورأى الموت قد تدلى من الحضر على رب أهله الساطرون ولقد كان آمناً للدواهي ذا ثراء وجوهر مكنون قال المسعودي وهو الساطرون بن إستطرون من ملوك السريانيين‏.‏ قال الطبري‏:‏ وتسميه العرب الضيزن وقال هشام بن محمد الكلبي‏:‏ من قضاعة وهو الضيزن بن معاوية بن العميد بن الأجذم بن عمرو بن النخع بن سليم وسنذكر نسب سليم في قضاعة‏.‏ وكان بأرض الجزيرة وكان معه من قبائل قضاعة ما لا يحصى وكان ملكه قد بلغ الشام فخلف سابور في غزاته إلى خراسان وعاث في أرض السواد فشخص إليه سابور عند انقضاء غزاته حتى أناخ على حصنه وحاصره أربع سنين قال الأعشى‏:‏ ألم تر للحضر إذ أهله بنعمة وهل خالد من نعم ثم إن ابنة ساطرون واسمها النضيرة خرجت إلى ربض المدينة وكانت من أجمل النساء وسابور كان جميلاً فأشرفت عليه فشغفت به وشغف بها وداخلته في أمر الحصن ودلته على عورته فدخله عنوة وقتل الضيزن وأباد قضاعة الذين كانوا معه وأكثرهم بنو حلوان فانقرضوا وخرب حصن الحضر‏.‏ وقال عدي ابن زيد في رثائه‏:‏ # وأخو الحضر إذ بناه وإذ دجلة تجبى إليه والخابور شاده مرمراً وجللة كلساً فللطير في ذراه وكور لم يهبه ريح المنون فبا د الملك عنه فبابه مهجور ثم أعرس بالنضيرة بعين النمر وباتت ليلها تتضور في فراشها وكان من الحرير محشواً بالقز والقسي فإذا ورقة آس بينها وبين الفراش تؤذيها‏.‏ فقال‏:‏ ويحك‏!‏ ما كان أبوك يغذيك قالت الزبد والمح والشهد وصفو الخمر‏.‏ فقال‏:‏ وأبيك لأنا أحدث عهداً ويبعد وداً من أبيك الذي غذاك بمثل هذا‏.‏ وأمر رجلاً ركب فرساً جموحاً وعصب غدائرها بذنبه ولم يزل يركضه حتى تقطعت أوصالها‏.‏ وعند ابن إسحق‏:‏ أن الذي فتح حصن الحضر وخربه وقتل الساطرون هو سابور ذو الأكتاف‏.‏ وقال السهيلي لا يصح‏:‏ لأن الساطرون من ملوك الطوائف والذي أزال ملكهم هو أردشير وابنه سابور وسابور ذو الأكتاف بعدهم بكثير وهو التاسع من ملوك أردشير‏.‏ قال السهيلي‏:‏ وأول من ملك الحيرة من ملوك الساسانية سابور بن أردشير‏.‏ والحيرة وسط بلاد السواد وحاضرة العرب ولم يكن لأحد قبله من آل ساسان حتى استقام العرب على طاعته‏.‏ وولى عليهم عمرو بن عدي جد آل المنذر بعده وأنزله الحيرة فجبى خراجها وإتاوتهم واستبعدهم لسلطانه وقبض أيديهم عن الفساد بأقطار ملكه وما كانوا يرومونه بسواد العراق من نواحي مملكته وولى بعده ابنه امرأ القيس بن عمرو بن عدي وصار ذلك ملكاً لآل المنذر بالحيرة توارثوه حسبما نذكر بعد‏.‏ وهلك سابور لثلاثين سنة من ملكه وولي بعده ابنه هرمز ويعرف بالبطل فملك سنة واحدة وولي بعده ابنه بهرام بن هرمز وكان عامله على مذحج من ربيعة ومضر وسائر بادية العراق والجزيرة والحجاز آمرو القيس بن عمرو بن عدي وهو أول من تنصر من ملوك الحيرة وطال أمد ملكه‏.‏ قال هشام بن الكلبي‏:‏ ملك مائة وأربع عشرة سنة من لدن أيام سابور‏.‏ وكان بهرام بن هرمز حليماً وقوراً وأحسن السيرة واقتدى بآبائه‏.‏ وكان ماني الثنوي الزنديق صاحب القول بالنور والظلمة قد ظهر في أيام جده سابور فاتبعه قليلاً ثم رجع إلى المجوسية دين آبائه‏.‏ ولما ولي بهرام بن هرمز جمع الناس لامتحانه فأشادوا بكفره وقتله وقالوا زنديق‏.‏ قال المسعودي‏:‏ ومعناه أن من عدل عن ظاهر إلى تأويله ينسبونه إلى تفسير كتاب زرادشت الذي قدمنا أن اسمه زندة فيقولون زندية فعربته العرب فقالوا زنديق ودخل فيه كل من خالف الظاهر إلى الباطن المنكر ثم اختص في عرف الشرع بمن يظهر الإسلام ويبطن الكفر‏.‏ ثم هلك بهرام بن هرمز لثلاث سنين وثلاثة أشهر من دولته وولي ابنه بهرام ثماني عشرة سنة عكف أولها على اللذات أمدت أيدي بطانته إلى الرعايا بالجور والظلم فخربت الضياع والقرى حتى نبهه الموبذان لذلك بمثل ضربة له وذلك أنه سامره في ليلة فمر راجعاً من الصيد فسمعا بومين يتحدثان في خراب‏.‏ فقال بهرام‏:‏ ليت شعري هل أحد فهم لغات الطير فقال له الموبذان‏:‏ نعم إنا نعرف ذلك أيها الملك‏!‏ وإنهما يتحاوران في عقد نكاح وإن الأنثى اشترطت عليه إقطاع عشرين ضيعة من الخراب فقبل الذكر وقال‏:‏ إذا دامت أيام بهرام أقطعتك ألفاً فتفطن بهرام لذلك وأفاق من غفلته وأشرف على أحوال ملكه مباشراً بنفسه وقابضاً أيدي البطانة عن الرعية وحسنت أيامه إلى أن هلك‏.‏ وولي بعده بهرام بن بهرام بن بهرام ثلاثة أسماء متشابهة وتقلب شاه وكان مملكاً على سجستان وهلك لأربع سنين من دولته وملك بعده أخوه قرسين بن بهرام تسع سنين أخرى‏.‏ وكان عادلاً حسن السيرة وملك بعده ابنه هرمز بن قرسين فوجل منه الناس لفظاظته‏.‏ ثم أبدل من خلقه الشر بالخير وسار فيهم بالعدل والرفق والعمارة وهلك لسبع سنين من ولايته‏.‏ وكان هؤلاء كلهم ينزلون جنديسابور من خراسان‏.‏ ولما هلك ولم يترك ولداً شق ذلك على أهل مملكته لميلهم إليه ووجدوا ببعض نسائه حملاً فتوجوه وانتظروا إتمامه‏.‏ وقيل بل كان هرمز أبوه أوصى بالملك لذلك الحمل فقام أهل الدولة بتدبير الملك ينتظرون تمام الولد‏.‏ وشاع في أطراف المملكة أنهم يتلومون صبياً في المهد فطمع فيهم الترك والروم‏.‏ وكانت بلاد العرب أدنى إلى بلادهم وهم أحوج إلى تناول الحبوب من البلاد لحاجاتهم إليها بما هم فيه من الشظف وسوء العيش‏.‏ فسار منهم جمع من ناحية البحرين وبلاد القيس ووحاظة فأناخوا على بلاد فارس من ناحيتهم وغلبوا أهلها على الماشية والحرث والمعايش وأكثروا الفساد ومكثوا في ذلك حيناً ولم يغزهم أحد من فارس ولا دافعوهم لصغر الملك‏.‏ حتى إذا كبر وعرضوا عليه الأمور فأحسن فيها الفصل وبلغ ستة عشر سنة من عمره ثم أطاق حمل السلاح نهض حينئذ للاستبداد بملكه‏.‏ وكان أول شيء ابتدأ به شأن العرب فجهز إليهم العساكر وعهد إليهم أن لا يبقوا على أحد ممن لقوا منهم‏.‏ ثم شخص بنفسه إليهم وغزاهم وهم غازون ببلاد فارس فقتلهم أبرح القتل وهربوا أيامه وأجاز البحر في طلبهم إلى الخط وتعدى إلى بلاد البحرين قتلاً وتخريباً ثم غزا بعدها رؤوس العرب من تميم وبكر وعبد القيس فأثخن فيهم وأباد عبد القيس ولحق فلهم بالرمال‏.‏ ثم أتى اليمامة فقتل وأسر وخرب ثم عطف إلى بلاد بكر وتغلب ما بين مملكة فارس ومناظر الروم بالشام فقتل من وجد هنالك من العرب وطم مياههم وأسكن من رجع إليه من بني تغلب دارين من البحرين والخط ومن بني تميم هجروا من بكر بن وائل كرمان ويدعون بكر إياد ومن بني حنظلة الأهواز‏.‏ وبنى مدينة الأنبار والكرخ والسوس‏.‏ وفيما قاله غيره إن إياداً كانت تشتو بالجزيرة وتصيف بالعراق وتشن الغارة‏.‏ وكانت تسمى طما لانطباقها على البلاد وسابور يومئذ صغير حتى إذا بلغ القيام على ملكه شرع في غروهم ورئيسهم يومئذ الحرث بن الأغر الأيادي وكتب إليهم بالنذر بذلك من إياد كان بين ظهراني الفرس فلم يقبلوا حتى واقعتهم العساكر فاستلحمهم وخرجوا إلى أرض الجزيرة والموصل إجلاءً ولم يعاودوا العراق‏.‏ ولما كان الفتح طلبهم المسلمون بالجزية مع تغلب وغيرهم فأنفوا ولحقوا بأرض الروم‏.‏ وقال السهيلي عند ذكر سابور بن هرمز‏:‏ إنه كان يخلع أكتاف العرب ولذلك لقبه العرب ذو الأكتاف وإنه أخذ عمرو بن تميم بأرضهم بالبحرين وله يومئذ ثلثمائة سنة وإنه قال إنما أقتلكم معاشر العرب لأنكم تزعمون أن لكم دولة‏.‏ فقال له عمرو بن تميم‏:‏ ليس هذا من الحزم أيها الملك‏!‏ فإن يكن حقاً فليس قتلك إياهم بدافعه وقد تكون اتخذت يداً عندهم ينتفع بها ولدك وأعقاب قومك فيقال إنه استبقاه ورحم كبره‏.‏ ثم سابور بلاد الروم وتوغل فيها ونازل حصونهم‏.‏ وكان ملوك الروم على عصره‏:‏ قسطنطين وهو أول من تنصر من ملوكهم وهلك قسطنطين وملك بعده إليانوس من أهل بيته وانحرف عن دين النصرانية وقتل الأساقفة وهدم البيع وجمع الروم وانحدر لقتال سابور‏.‏ واجتمعت العرب معهم لثأرهم عند سابور بمن قتل منهم وسار قائد إليانوس واسمه يوسانوس في مائة وسبعين ألفاً من المقاتلة حتى دخل أرض فارس وبلغ خبره وكثرة جموعه إلى سابور فأحجم عن اللقاء وأجفل وصبحه العرب ففضوا جموعه وهرب في فل من عسكره واحتوى إليانوس على خزائنه وأمواله واستولى على مدينة طبسون من مدائن ملكه‏.‏ ثم استنفر أهل النواحي واجتمعت إليه فارس وارتجع مدينة طبسون وأقاما متظاهرين‏.‏ وهلك إليانوس بسهم أصابه فبقي الروم فوضى وفزعوا إلى يوسانوس القائد أن يملكوه فشرط عليهم الرجوع إلى دين النصرانية كما كان قسطنطين فقبلوا‏.‏ وبعث إليه سابور في القدوم عليه فسار إليه في ثمانين من أشراف الروم وتلقاه سابور وعانقه وبالغ في إكرامه وعقد معه الصلح على أن يعطي الروم قيمة ما أفسدوه من بلاد فارس وأعطوا بدلاً عن ذلك نصيبين‏.‏ فرضي بها أهل فارس‏.‏ وكانت مما أخذه الروم من أيديهم فملكها سابور وشرد عنها أهلها خوفاً من سطوته‏.‏ فنقل إليها من أهل إصطخر وأصبهان وغيرهما‏.‏ وانصرف يوسانوس بالروم وهلك عن قريب ورجع سابور إلى بلاده‏.‏ وفيما نقله بعض الإخباريين أن سابور دخل بلاد الروم متنكراً وعثر عليه‏.‏ فأخذ في جلد ثور‏.‏ وزحف ملك الروم بعساكره إلى جنديسابور فحاصرها وإن سابور هرب من حبسه ودخل جنديسابور المدينة ثم خرج إلى الروم فهزمهم وأسر ملكهم قيصر وأخذه بعمارة ما خرب من بلاده ونقل التراب والغروس إليها ثم قطع أنفه وبعث به على حمار إلى قومه‏.‏ وهي قصة واهية تشهد العادة بكذبها‏.‏ ثم هلك سابور لاثنتين وسبعين سنة من ملكه وهو الذي بنى مدينة نيسابور وسجستان وبنى الإيوان المشهور لمقعد ملوكهم‏.‏ وملك لعهده امرؤ القيس بن عدي وأوصى بالملك لأخيه أردشير بن هرمز وفتك في أشراف فارس وعظمائهم فخلعوه لأربعين سنة من دولته وملكوا سابور بن ذي الأكتاف فاستبشر الناس برجوع ملك أبيه إليه‏.‏ وأحسن السيرة ورفق بالرعية وحمل على ذلك العمال والوزراء والحاشية ولم يزل عادلاً وخضع له عمه أردشير المخلوع وكانت له حروب مع إياد وفي ذلك يقول شاعرهم‏:‏ على رغم سابور بن سابور أصبحت قباب إياد حولها الخيل والنعم وقيل إن هذا الشعر إنما قيل في سابور ذي الأكتاف‏.‏ ثم هلك سابور لخمس سنين من دولته وملك أخوه بهرام ويلقب كرمان شاه وكان حسن السياسة وهلك لإحدى عشرة سنة من دولته رماه بعض الرماة بسهم في القتال فقتله وملك بعده ابنه يزدجرد الأثيم‏.‏ وبعض نسابة الفرس يقول إنه أخوه وليس ابنه وإنما هو ابن ذي الأكتاف‏.‏ وقال هشام محمد‏:‏ كان فظاً غليطاً كثير المكر والخديعة يفرغ في ذلك عقله وقوة معرفته وكان معجباً برأيه سيء الخلق كثير الحدة يستعظم الزلة الصغيرة ويرد الشفاعة من أهل بطانته متهماً للناس قليل المكافأة‏.‏ وبالجملة فهو سيء الأحوال مذمومها‏.‏ واستوزر لأول ولايته برسي الحكيم ويسمى فهربرشي ومهرمرسة وكان متقدماً في الحكمة والفضائل‏.‏ وأمل أهل المملكة أن تهرب من يزدجرد الأثيم فلم يكن ذلك‏.‏ واشتد أمره على الأشراف بالإهانة وعلى من دونهم بالقتل‏.‏ وبينما هو جالس في مجلسه يوماً إذا بفرس عابر لم يطق أحد إمساكه قد وقف ببابه فقام إليه ليتولى إمساكه بنفسه فرمحه فمات لوقته لإحدى وعشرين سنة من ملكه‏.‏ وملك بعده ابنه بهرام بن يزدجرد ويلقب ببهرام جور وكان نشؤوه ببلاد الحيرة مع العرب أسلمه أبوه إليهم فربي بينهم وتكلم بلغتهم ولما مات أبوه قدم أهل فارس رجلاً من نسل أردشير ثم زحف بهرام جور بالعرب فاستولى على ملكه كما نذكر في أخبار آل المنذر‏.‏ وفي أيام بهرام جور سار خاقان ملك الترك إلى بلاد الصغد من ممالكه فهزمه بهرام وقتله ثم غزا الهند وتزوج ابنة ملكهم فهابته ملوك الأرض وحمل إليه الروم الأموال على سبيل المهادنة‏.‏ وهلك لتسع وعشرين من دولته وملك ابنه يزدجرد بن بهرام جور واستوزر مهربرسي الحكيم الذي كان أبوه استوزره وجرى في ملكه بأحسن سيرة من العدل والإحسان‏:‏ وهو الذي شرع في بناء الحائط بناحية الباب الأبواب وجعل جبل الفتح سداً بين بلاده وما وراءها من أمم الأعاجم وملك لعشرين سنة من دولته‏.‏ وملك من بعده ابنه هرمز وكان ملكاً على سجستان فغلب على الدولة ولحق أخوه فيروز بملك الصغد بمرو الروذ‏.‏ وهذه الأمم هم المعروفون قديماً بالهياطلة وكانوا بين خوارزم وفرغانة فأمر فيروز بالعساكر وقاتل أخاه هرمز فغلبه وحبسه‏.‏ وكانت الروم قد امتنعت عن حمل الخراج فحمل إليهم العساكر مع وزيره مهربرسي فأثخن في بلادهم حتى حملوا ما كانوا يحملونه واستقام أمره وأظهر العدل‏.‏ وأصابهم القحط في دولته سبع سنين فأحسن تدبير الناس فيها وكف عن الجباية وقسم الأموال ولم يهلك في تلك السنين أحد إتلافاً‏.‏ وقيل إنه استسقى لرعيته من ذلك القحط فسقوا وعادت البلاد إلى أحسن ما كانت عليه‏.‏ وكان لأول ما ملك أحسن إلى الهياطلة جزاءً بما أعانوه على أمره‏.‏ فقوى ملكهم أمره‏.‏ وزحفوا إلى أطراف ملكه وملكوا طخارستان وكثيراً من بلاد خراسان وزحف هو إلى قتالهم فهزموه وقتلوه وأربعة بنين له وأربعة إخوة واستولوا على خراسان بأسرها‏.‏ وسار إليهم رجل من عظماء الفرس من أهل شيراز فغلبهم على خراسان وأخرجهم منها حتى ألقوا بجميع ما أخذوه من عسكر فيروز من الأسرى والسبي‏.‏ وكان مهلكه لسبع وعشرين من دولته‏.‏ وبنى المدن بالري وجرجان وأذربيجان‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ إن ملك الهياطلة الذي سار إلى فيروز اسمه خشتوا والرجل الذي استرجع خراسان من يده هو خرسوس من نسل منوشهر وأن فيروز استخلفه لما سار إلى خشتوا والهياطلة على مدينتي الملك وهما طبسون ونهرشير فكان من أمره مع الهياطلة بعد فيروز ما تقدم‏.‏ وملك بعد فيروز بن يردجرد ابنه يلاوش ابن فيروز ونازعه أخوه قباذ الملك فغلبه يلاوش ولحق قباذ بخاقان ملك الترك يستنجده وأحسن يلاوش الولاية والعدل وحمل أهل المدن على عمارة ما خرب من مدنهم وبنى مدينة ساباط قرب المدائن‏.‏ وهلك لأربع سنين من دولته وملك من بعده أخوه قباذ بن فيروز وكان قد سار بعساكر الترك أمده بها خاقان فبلغه الخبر بمهلك أخيه وهو بنيسابور من طريقه وقد لقي بها ابناً كان له هنالك حملت به أمه منه عند مروره ذلك إلى خاقان‏.‏ فلما أحل بنيسابور ومعه العساكر وسأل عن المرأة فأحضرت ومعها الخبر وجاء الخبر هنالك بمهلك أخيه يلاوش فتيمن بالمولود وسار إلى سرحد الذي كان أبوه فيروز استخلفه على المدائن مال الناس إليه دون قباذ واستبد عليه‏.‏ فلما كبر وبلغ سن الاستبداد بأمره أنف من استبداد سرحد عليه فبعث إلى أصبهبذ البلاد وهو سابور مهران فقدم عليه وقبض على سرحد وحبسه ثم قتله‏.‏ ولعشرين من دولته حبس وخلع ثم عاد إلى الملك‏.‏ وصورة الخبر عن ذلك أن مزدك الزنديق كان إباحياً وكان يقول باستباحة أموال الناس وأنها فيء وأنه ليس لأحد ملك شيء ولا حجره والأشياء كلها ملك لله مشاع بين ناس لا يختص به أحد دون أحد وهو لمن اختاره‏.‏ فعثر الناس منه على متابعة مزدك في هذا الاعتقاد واجتمع أهل الدولة فخلعوه وحبسوه وملكوا جاماسات أخاه‏.‏ وخرج رزمهر شاكياً داعياً لقباذ ويقرب إلى الناس بقتل المزدكية وأعاد قباذ إلى ملكه ثم سعت المزدكية عنده في رزمهر بإنكار ما أتى قبلهم فقبله واتهمه الناس برأي مزدك فانتقضت الأطراف وفسد الملك وفر قباذ من محبسه ولحق قباذ بالهياطلة وهم الصغد مستجيشاً لهم ومر في طريقه بأبوشهر فتزوج بنت ملكها وولدت له أنوشروان‏.‏ ثم أمده ملك الهياطلة فزحف إلى المدائن لست سنين من مغيبه وغلب أخاه جاماسات واستولى على الملك‏.‏ ثم غزا بلاد الروم وفتح آمد وسبى أهلها وطالت مدته وابتنى المدن العظيمة منها مدينة أراجان بين الأهواز وفارس‏.‏ ثم هلك لثلاث وأربعين سنة من ملكه في الكرة الأولى‏.‏ وملك ابنه أنوشروان بن قباذ بن فيروز بن يزدجرد وكان يلي الأصبهبذ وهي الرياسة على الجنود‏.‏ ولما ملك فرق أصبهبذ البلاد على أربعة‏:‏ فجعل أصبهبذ المشرق بخراسان والمغرب بأذربيجان وبلاد الخزر واسترد البلاد التي تغلب عليها جيران الأطراف من الملوك مثل السند وبست الرخج وزابلستان وطخارستان ودهستان‏.‏ وأثخن في أمة البازر وأجلى بقيتهم‏.‏ ثم أدهنوا واستعان بهم في حروبه‏.‏ وأثخن في أمة صول واستلحمهم وكذلك الجرامقة وبلنجر واللان‏.‏ وكانوا يجاورون أرمينية ويتمالأون على غزوها فبعث إليهم العساكر واستلحموهم وأنزل بقيتهم أذربيجان‏.‏ وأحكم بناء الحصون التي كان بناها قباذ وفيروز بناحية صول واللان لتحصين البلاد وأكمل بناء الأبواب والسور الذي بناه جده بجبل الفتح بنوه على الأزماق المنفوخة تغوص في الماء كلما ارتفع البناء إلى أن استقرت بقعر البحر وشقت بالخناجر فتمكن الحائط من الأرض ثم وصل السور في البر ما بين جبل الفتح والبحر وفتحت فيه الأبواب ثم وصلوه في شعاب الجبل وبقي فيه إلى أن كمل‏.‏

قال المسعودي‏:‏ إنه كان باقياً لعصره والظن أن التتر خربوه بعد لما استولوا على ممالك الإسلام في المائة السابعة ومكانه اليوم في مملكة بني ذو شيخان ملوك الشمال منهم‏.‏ وكان لكسرى أنو شروان في بنائه خبر مع ملوك الخزر‏.‏ ثم استفحل ملك الترك وزحف خاقان سيحور وقتل ملك الهياطلة واستولى على بلادهم وأطاعه أهل بلنجر وزحف إلى بلاد صول في عشرة آلاف مقاتل‏.‏ وبعث إلى أنو شروان يطلب منه ما أعطاه أهل بلنجر في الفداء وضبط أنو شروان أرمينية بالعساكر وامتنعت صول بملكها أنو شروان والناحية الأخرى بسور الأبواب فرجع خاقان خائباً‏.‏ وأخذ أنو شروان في إصلاح السابلة والأخذ بالعدل وتفقد أهل المملكة وتخير الولاة والعمال مقتدياً بسير أردشير بن بابك جده‏.‏ ثم سار إلى بلاد الروم وافتتح حلب وقبرص وحمص وأنطاكية ومدينة هرقل الإسكندرية وضرب الجزية على ملوك القبط وحمل إليه ملك الروم الفدية وملك الصين والتبت الهدايا‏.‏ ثم غزا بلاد الخزر وأدرك فيهم بثأره وما فعلوه ببلاده‏.‏ ثم وفد عليه ابن ذي يزن من نسل الملوك التبابعة يستجيشه على الحبشة فبعث معه قائداً من قواده في جند من الديلم فقتلوا مسروقاً ملك الحبشة باليمن وملكوها‏.‏ وملك عليهم سيف بن ذي يزن وأمره أن يبعث عساكره إلى الهند فبعث إلى سرنديب قائداً من قواده فقتل ملكها واستولى عليها وحمل إلى كسرى أموالاً جمة‏.‏ وملك على العرب في مدينة الحيرة ثم سار نحو الهياطلة مطالباً بثأر جده فيروز فقتل ملكهم واستأصل أهل بيته‏.‏ وتجاوز بلخ وما وراءها وأنزل عساكره فرغانة وأثخن في بلاد الروم وضرب عليهم الجزى وكان مكرماً للعلماء محباً للعلم وفي أيامه ترجم كتاب كليلة وترجمه من لسان اليهود وحله بضرب الأمثال ويحتاج إلى فهم دقيق‏.‏ وعلى عهد ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم لاثنتين وأربعين سنة من ملكه وذلك عام الفيل‏.‏ وكذلك ولد أبوه عبد الله ابن عبد المطلب لأربع وعشرين سنة من ملكه‏.‏ قال الطبري‏:‏ وفي أيامه رأى الموبذان الإبل الصعاب تقود الخيل العراب وقد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها فأفزعه ذلك وقص الرؤيا على من يعبرها فقال‏:‏ حادث يكون من العرب‏.‏ فكتب كسرى إلى النعمان أن يبعث إليه بمن يسأله عما يريده فبعث إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حسان بن نفيلة الغساني وقص عليه الرؤيا فدله على سطيح وقال له ائته وكان فيما قاله سطيح إنه يملك من آل كسرى أربعة عشر ملكاً‏.‏ فاستطال كسرى المدة وملكوا كلهم في عشرين سنة أو نحوها‏.‏ وبعث عامل اليمن وهرز بهدية وأموال وطرف من اليمن إلى كسرى فأغار عليها بنو يربوع من تميم وأخذوها‏.‏ وجاء أصحاب العير إلى هوذة بن علي ملك اليمامة من بني حنيفة فسار معهم إلى كسرى فأكرمه وتوجه بعقد من لؤلؤ ومن ثم قيل له ذو التاج‏.‏ وتحب إلى عامله بالبحرين في شأنهم وكان كثيراً مايوقع ببني تميم ويقطعهم حتى سموه المكفر فتحيل عليهم بالميرة ونادى مناديه في أحيائهم‏:‏ أن الأمير يقسم فيكم بحصن المشعر ميرة فتسايلوا إليه ودخلوا الحصن‏.‏ فقتل الرجال وخصى الصبيان‏.‏ وجاءت هدية أخرى من اليمن على أرض الحجاز أجازها رجل من بني كنانة فعدت عليه قيس وقتلوه وأخذوا الهدية فنشأت الفتنة بين كنانة وقيس لأجل ذلك وكانت بينهم حرب الفجار عشرين سنة وشهدها رسول الله صلى الله عليه وسلم صغيراً كان ينبل على أعمامه‏.‏ ثم هلك أنو شروان لثمان وأربعين من دولته وملك ابنه هرمز‏.‏ قال هشام‏:‏ وكان عادلاً حتى لقد أنصف من نفسه خصياً كان له وكانت له خؤولة في الترك وكان مع ذلك يقتل الأشراف والعلماء‏.‏ وزحف إليه ملك الترك شبابة في ثلثمائة ألف مقاتل فسار هرمز إلى هراة وباذغيس لحربهم وخالفه ملك الروم إلى ضواحي العراق وملك الخزر إلى باب الأبواب وجموع العرب إلى شاطىء الفرات فعاثوا في البلاد ونهبوا واكتنفته الأعداء من كل جانب‏.‏ وبعث قائده بهرام صاحب الري إلى لقاء الترك وأقام هو بمكانه من خراسان بيت هراة وباذغيس‏.‏ وقاتل بهرام الترك وقتل ملكهم شبابة بسهم أصابه واستباح معسكره وأقام بمكانه‏.‏ فزحف إليه برمومة بن شبابة بالترك فهزمه بهرام وحاصره في بعض الحصون حتى استسلم‏.‏ وبعث به إلى هرمز أسيراً وبعث معه بالأموال والجواهر والآنية والسلاح وسائر الأمتعة‏.‏ يقال في مائتين وخمسين ألفاً من الأحمال‏.‏ فوقع ذلك من هرمز أحسم المواقف‏.‏ وغص أهل الدولة ببهرام وفعله فأكثروا فيه السعاية‏.‏ وبلغ الخبر إلى بهرام فخشيه على نفسه‏.‏ فداخل من كان معه من المرازبة وخلعوا هرمز ودعوا لابنه أبرويز وداخلهم في ذلك أهل الدولة فلحق أبرويز بأذربيجان خائفاً على نفسه واجتمع إليه المرازبة والأصبهبذيون فملكوه‏.‏ ووثب بالمدائن الأشراف والعظماء وتفدويه وبسطام خال أبرويز فخلعوا هرمز وحبسوه وتحرزوا من قتله‏.‏ وأقبل أبرويز بمن معه إلى المدائن فاستولى على الملك ثم نظر في أمر بهرام وتحرز منه وسار إليه وتوافقا بشط النهروان ودعا أبرويز إلى الدخول في أمره ويشترط ما أحب فلم يقبل ذلك وناجزه الحرب فهزمه‏.‏ ثم عاود الحرب مراراً وأحسن أبرويز بالقتل من أصحابه فرجع إلى المدائن منهزماً وعرض على النعمان أن يركبه فرسه فنجا عليها‏.‏ وكان أبوه محبوساً بطبسون فأخبر الخبر وشاوره فأشار عليه بقصد مريق ملك الروم يستجيشه فمضى لذلك ونزل المدائن لاثنتي عشرة سنة من ملكه‏.‏ وفي بعض طرق هذا الخبر أن أبرويز لما استوحش من أبيه هرمز لحق بأذربيجان واجتمع عليه مع من اجتمع ولم يحدث شيئاً‏.‏ وبعث هرمز لمحاربة بهرام قائداً من مرازبته فانهزم وقتل ورجع فلهم إلى المدائن وبهرام في اتباعهم‏.‏ واضطرب هرمز وكتبت إليه أخت المرزبان المهزوم من بهرام تستحثه للملك‏.‏ فسار إلى المدائن وملك وأتاه أبوه فتواضع له أبرويز وتبرأ له من فعل الناس وأنه إنما حمله على ذلك الخوف‏.‏ وسأله أن ينتقم له ممن فعل به ذلك وأن يؤنسه بثلاثة من أهل النسب والحكمة يحادثهم في كل يوم فأجابه واستأذنه في قتل بهرام جوبين فأشار به‏.‏ وأقبل بهرام حثيثاً وبعث خاليه نفدويه وبسطام يستدعيانه للطاعة فرد أسوأ رد وقاتل أبرويز واشتدت الحرب بينهما‏.‏ ‏.‏ لما رأى أبرويز فشل أصحابه شاور أباه ولحق بملك الروم وقال له خالاه عند فصولهم من المدائن‏:‏ نخشى أن يدخل بهرام المدائن ويملك أباك ويبعث فينا إلى ملك الروم‏.‏ وانطلقوا إلى المدائن فقتلوا هرمز ثم ساروا مع أبرويز وقطعوا الفرات واتبعتهم عساكر بهرام وقد وصلوا إلى تخوم الروم وقاتلوهم وأسروا نفدويه خال أبرويز ورجعوا عنهم‏.‏ ولحق أبرويز ومن معه بأنطاكية وبعث إلى قيصر موريق يستنجده فأجابه وأكرمه وزوجه ابنته مريم وبعث إليه أخاه بناطوس بستين ألف مقاتل وقائدهم واشترط عليه الأتاوة التي كان الروم يحملونها‏.‏ فقبل وسار بالعساكر إلى أذربيجان ووافاه هنالك خاله نفدويه هارباً من الأسر الذي كانوا أسروه‏.‏ ثم بعث العساكر من أذربيجان مع أصبهبذ الناحية فانهزم بهرام جوبين ولحق بالترك وسار أبرويز إلى المدائن فدخلها وفرق في الروم عشرين ألف ألف دينار وأطلقهم إلى قيصر‏.‏ وأقام بهرام عند ملك الترك وصانع أبرويز عليه ملك الترك وزوجته حتى دست عليه من قتله‏.‏ واغتم لذلك ملك الترك وطلقها من أجله‏.‏ وبعث إلى أخت بهرام أن يتزوجها فامتنعت ثم أخذ أبرويز في مهاداة قيصر موريق والطافه وخلعه الروم وقتلوه وملكوا عليهم ملكاً اسمه قوفا قيصر ولحق ابنه بأبرويز فبعث العساكر على ثلاثة من القواد وسار أحدهم ودوخوا الشام إلى فلسطين‏.‏ ووصلوا إلى بيت المقدس فأخذوا أساقفتها ومن كان بها من الأقسة وطالبوهم بخشبة الصليب فاستخرجوها من الدفن وبعثوا بها إلى كسرى‏.‏ وسار منهم قائد آخر إلى مصر وإسكندرية وبلاد النوبة فملكوا ذلك كله‏.‏ وقصد الثالث قسطنطينية وخيم على الخليج وعاث في ممالك الروم ولم يجب أحد إلى طاعة ابن موريق‏.‏ وقتل الروم قوفا الذي كانوا ملكوه لما ظهر من فجوره وملكوا عليهم هرقل‏.‏ فافتتح أمره بغزو بلاد كسرى وبلغ نصيبين فبعث كسرى قائداً من أساورته فبلغ الموصل وأقام عليها يمنع الروم المجاوزة‏.‏ وجاز هرقل من مكان آخر إلى جند فارس فأمر كسرى قائده بقتاله فانهزم وقتل وظفر هرقل بحصن كسرى وبالمدائن‏.‏ ووصل هرقل قريباً منها ثم رجع‏.‏ وأولع كسرى العقوبة بالجند المنهزمين وكتب إلى سخراب بالقدوم من خراسان وبعثه بالعساكر وبعث هرقل عساكره والتقيا بأذرعات وبصرى فغلبتهم عساكر فارس‏.‏ وسار سخراب في أرض الروم يخرب ويقتل ويسبي حتى بلغ القسطنطينية ورجع وعزله أبرويز عن خراسان وولى أخاه‏.‏ وفي مناوبة هذا الغلب بين فارس والروم نزلت الآيات من أول سورة الروم‏.‏ قال الطبري‏:‏ وأدنى الأرض التي أشارت إليها الآية هي أذرعات وبصرى التي كانت بها هذه الحروب‏.‏ ثم غلبت الروم لسبع سنين من ذلك العهد وأخبر المسلمون بذلك الوعد الكريم لما أهمهم من غلب فارس الروم لأن قريشاً كانوا يتشيعون لفارس لأنهم غير دائنين بكتاب والمسلمون يودون غلب الروم لأنهم أهل كتاب‏.‏ وفي كتب التفسير بسط ما وقع في ذلك بينهم وأبرويز هذا هو الذي قتل النعمان بن المنذر ملك العرب وعامله على الحيرة سخطه بسعاية عدي بن زيد العبادي وزير النعمان وكان قد قتل أباه وبعثه إلى كسرى ليكون عنده ترجماناً للعرب كما كان أبوه قد فعل بسعايته في النعمان وحمله على أن يخطب إليه ابنته‏.‏ وبعث إليه رسوله بذلك عدي بن زيد فترجم له عنه في ذلك مقابلة قبيحة أحفظت كسرى أبرويز مع ما كان تقدم له في منعه الفرس يوم بهرام كما تقدم‏.‏ فاستدعاه أبرويز وحبسه بساباط ثم أمر به فطرح للفيلة وولى على العرب بعده أياس بن قبيصة الطائي جزاء بوفاء ابن عمه حسان يوم بهرام كما تقدم‏.‏ ثم كان على عهده وقعة ذي قار لبكر بن وائل ومن معهم من عبس وتميم على الباهوت مسلحة كسرى بالحيرة ومن معه من طيء‏.‏ وكان سببها أن النعمان بن المنذر أودع سلاحه عند هانىء بن مسعود الشيباني وكانت شكة ألف فارس وطلبها كسرى منه فأبى إلا أن يردها إلى بيته فآذنه كسرى بالحرب وآذنوه بها‏.‏ وبعث كسرى إلى أياس أن يزحف إليه بالمسالح التي كانت ببلاد العرب بأن يوافوا أياساً واقتتلوا بذي قار وانهزمت الفرس ومن معهم‏.‏ وفيها قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ اليوم انتصف العرب من العجم وبي نصروا ‏"‏ أوحى إليه بذلك أو نفث في روعه‏.‏ قيل إن ذلك كان بمكة وقيل بالمدينة بعد وقعة بدر بأشهر‏.‏ وفي أيام أبرويز كانت البعثة لعشرين من ملكه وقيل لاثنتين وثلاثين حكاه الطبري‏.‏ وبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتابه يدعوه إلى الإسلام كما تقدم في أخبار اليمن وكما يأتي في أخبار الهجرة‏.‏ ولما طال ملك أبرويز بطر وأشر وخسر الناس في أموالهم وولى عليهم الظلمة وضيق عليهم المعاش وبغض عليهم ملكه‏.‏ وقال هشام‏:‏ جمع أبرويز من المال ما لم يجمعه أحد وبلغت عساكره القسطنطينية وأفريقية وكان يشتو بالمدائن ويصيف بهمدان وكان له إثنتا عشرة ألف امرأة وألف فيل وخمسون ألف دابة‏.‏ وبنى بيوت النيران وأقام فيها اثني عشر ألف هربذ وأحصى جبايته لثمان عشر سنة من ملكه فكان أربعمائة ألف ألف مكررة مرتين وعشرون ألف ألف مثلها فحمل إلى بيت المال بمدينة طبسون وكانت هنالك أموال أخرى من ضرب فيروز بن يزدجرد منها اثنا عشر ألف بدرة في كل بدرة من الورق مصارفة أربعة آلاف مثقال فتكون جملتها ثمانية وأربعين ألف ألف مثقال مكررة مرتين في صنوف من الجواهر والطيوب والأمتعة والآنية لا يحصيها إلا الله تعالى‏.‏ ثم بلغ من عتوه واستخفافه بالناس أنه أمر بقتل المقيدين في سجونه وكانوا ستة وثلاثين ألفاً فنقم ذلك عليه أهل الدولة وأطلقوا ابنه شيرويه واسمه قباذ وكان محبوساً مع أولاده كلهم لإنذار بعض المنجمين له بأن بعض ولده يغتاله فحبسهم‏.‏ وأطلق أهل الدولة شيرويه وجمعوا إليه المقيدين الذين أمر بقتلهم ونهض إلى قصور الملك بمدينة نهشير فملكها وحبس أبرويز وبعث إلى ابنه شيرويه يعنفه‏.‏ فلم يرض ذلك أهل الدولة وحملوه على قتله‏.‏ وقتل لثمان وثلاثين سنة من ملكه وجاءته أختاه بوران وأزرميدخت فأسمعتاه وأغلظتا له فيما فعل فبكى ورمى التاج عن رأسه وهلك لثمانية أشهر من مقتل أبيه في طاعون هلك فيه نصف الناس أو ثلثهم‏.‏ وكان مهلكه لسبع من الهجرة فيما قال السهيلي‏.‏ ثم ولى ملك الفرس من بعده ابنه أردشير طفلاً ابن سبع سنين لم يجدوا من بيت الملك سواه لأن أبرويز كان قتل المرشحين كلهم من بنيه وبني أبيه فملك عظماء فارس هذا الطفل أردشير وكفله بهادرخشنش صاحب المائدة في الدولة فأحسن سياسة ملكه وكان شهريران بتخوم الروم في جند ضمهم إليه أبرويز وحموهم هنالك وصاحب الشورى في دولتهم ولما لم يشاوروه في ذلك غضب وبسط يده في القتل وطمع في الملك وأطاعه من كان معه من العساكر وأقبل إلى المدائن‏.‏ وتحصن بهادرخشنش بمدينة طبسون دار الملك ونقل إليها الأموال والذخائر وأبناء الملوك وحاصرها شهريران فامتنعت ثم داخل بعض العسس ففتحوا له الباب فاقتحمها وقتل العظماء واستصفى الأموال وفضح النساء‏.‏ وبعث إلى أردشير الطفل الملك من قتله لسنة ونصف من ملكه‏.‏ وملك شهريران على التخت ولم يكن من بيت الملك وامتعض لقتل أردشير جماعة من عظماء الدولة وفيهم زادان فروخ وشهريران ووهب مؤدب الأساورة وأجمعوا على قتل شهريران‏.‏ وداخلوا في ذلك بعض حرس الملك فتعاقدوا على قتله‏.‏ وكانوا يعملون قدام الملك في الأيام والمشاهد سماطين ومر بهم شهريران بعض أيام بين السماطين وهم مسلحون فلما حاذاهم طعنوه فقتلوه‏.‏ وقتلوا العظماء بعد قتل أردشير الطفل ثم ملكوا بوران بنت أبرويز ودفعت أمر الدولة إلى قبائل شهريران من حرس الملك وهو فروخ بن ماخدشيراز من أهل إصطخر ورفعت رتبته وأسقطت الخراج عن الناس وأمرت برم القناطير والجسور وضرب الورق وردت خشبة الصليب على الجاثيليق ملك إلى الروم وهلكت لسنة وأربعة أشهر‏.‏ وملكوا بعدها خشنشده من عمومة أبرويز عشرين يوماً فملك أقل من شهر‏.‏ ثم ملك أزرميدخت بنت أبرويز وكانت من أجل نسائهم‏.‏ وكان عظيم فارس يومئذ فروخ هرمز أصبهبذ خراسان فأرسل إليها في التزويج فقالت هو حرام على الملكة ودعته ليلة كذا فجاء وقد عهدت إلى صاحب حرسها أن يقتله ففعل فأصبح بدار الملك قتيلاً وأخفى أثره‏.‏ وكان لما سار إلى أزرميدخت استخلف خراسان ابنه رستم‏.‏ فلما سمع بخبر أبيه أقبل في جند عظيم حتى نزل المدائن وملكها وسمل أزرميدخت وقتلها وقيل سمها فماتت وذلك لستة أشهر من ملكها‏.‏ وملكوا بعدها رجلاً من نسل أردشير بن بابك وقتل لأيام قلائل‏.‏ وقيل بل هو من ولد أبرويز اسمه فروخ زاد بن خسرو وجدوه بحصن الحجارة قريب نصيبين فجاؤوا وقيل لما قتل كسرى ابن مهرخشنش طلب عظماء فارس من يولونه الملك ولو من قبل النساء فأتي برجل وجد بميسان اسمه فيروز بن مهرخشنش ويسمى أيضاً خشنشدة أمه صهاربخت بنت يرادقرار بن أنو شروان فملكوه كرهاً ثم قتلوه بعد أيام قلائل‏.‏ ثم شخص رجل من عظماء الموالي وهو رئيس الخول إلى ناحية الغرب فاستخرج من حصن الحجارة قرب نصيبين ابناً لكسرى كان لجأ إلى طبسون فملكوه ثم خلعوه وقتلوه لستة أشهر من ملكه‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ كان أهل إصطخر قد ظفروا بيزدجرد بن شهريار بن أبرويز فلما بلغهم أن أهل المدائن عصوا على خسرو فروخ زاذ أتوا بيزدجرد من بيت النار الذي عندهم ويدعى أردشير فملكوه باصطخر وأقبلوا به إلى المدائن وقتلوا فروخ زاذ خسرو لسنة من ملكه‏.‏ واستقل يزدجرد بالملك‏.‏ وكان أعظم وزرائه رئيس الموالي الذي جاء بفرخزاد خسرو من حصن الحجارة وضعفت مملكة فارس وتغلب الأعداء على الأطراف من كل جانب‏.‏ فزحف إليهم العرب المسلمون بعد سنتين من ملكه وقيل بعد أربع‏.‏ فكانت أخبار دولته كلها هي أخبار الفتح نذكرها هنالك إلى أن قتل بمرو بعد نيف وعشرين سنة من ملكه‏.‏ هذه هي سياقة الخبر عن دولة هؤلاء الأكاسرة الساسانية عند الطبري‏.‏ ثم قال آخرها‏:‏ فجميع سني العالم من آدم إلى الهجرة على ما يزعمه اليهود أربعة آلاف سنة وستمائة واثنان وأربعون سنة وعلى ما يدعيه النصارى في توراة اليونانيين ستة آلاف سنة غير ثمان سنين وعلى ما يقوله الفرس إلى مقتل يزدجرد أربعة آلاف ومائة وثمانون سنة ومقتل يزدجرد عندهم لثلاثين من الهجرة‏.‏ وأما عند أهل الإسلام فبين آدم ونوح عشرة قرون والقرن مائة سنة وبين نوح وإبراهيم كذلك وبين إبراهيم وموسى كذلك‏.‏ ونقله الطبري عن ابن عباس وعن محمد بن عمرو بن واقد الإسلامي عن جماعة من أهل العلم‏.‏ وقال إن الفترة بين عيسى وبين محمد صلى الله عليه وسلم ستمائة سنة ورواه عن سلمان الفارسي وكعب الأحبار والله أعلم بالحق في ذلك والبقاء لله الواحد القهار‏.‏

  الخبر عن دولة يونان والروم و أنسابهم ومصايرهم كان هؤلاء الأمم من أعظم أمم العالم وأوسعهم ملكاً وسلطاناً

وكانت لهم الدولتان العظيمتان للإسكندر والقياصرة من بعده الذين صبحم الإسلام وهم ملوك بالشام‏.‏ ونسبهم جميعاً إلى يافث باتفاق من المحققين إلا ما ينقل عن الكندي في نسب يونان إلى عابر بن فالغ وأنه خرج من اليمن بأهله وولده مغاضباً لأخيه قحطان فنزل ما بين الأفرنجة والروم فاختلط نسبه بهم وقد تخلط يونان بقحطان ضلة لعمري لقد باعدت بينهما جدا ولذلك يقال إن الإسكندر من تبع وليس شيء من ذلك بصحيح وإنما الصحيح نسبهم إلى يافث‏.‏ ثم إن المحققين ينسبون الروم جميعاً إلى يونان الإغريقيون منهم واللطينيون‏.‏ ويونان معدود في التوراة من ولد يافث لصلبه واسمه فيها يافان بفاء تقرب من الواو فعربته العرب إلى يونان‏.‏ وأما هروشيوش فجعل الغريقيين خمس طوائف منتسبين إلى خمسة من أبناء يونان وهم‏:‏ كيتم وحجيلة وترشوش وددانم وإيشاي‏.‏ وجعل من شعوب إيشاي سجيبية وأثناش وشمالا وطشال ولجدمون‏.‏ ونسب الروم اللطينيين فيهم ولم يعين نسبهم في أحد من الخمسة ونسب الإفرنج إلى غطرما بن عومر بن يافث‏.‏ وقال‏:‏ إن الصقالبة إخوانهم في نسبه‏.‏ وقال‏:‏ إن الملك كان في هذه الطوائف لبني أشكال بن غومر والملوك منهم هؤلاء الغريقيون قبل يونان وغيرهم‏.‏ ونسب القوط إلى ماداي بن يافث وجعل من إخوانهم الأرمن‏.‏ ثم نسب القوط مرة أخرى إلى ماغوغ بن يافث وجعل اللطينيين من إخوانهم في ذلك النسب‏.‏ ونسب القاللين منهم إلى رفنا بن غومار‏.‏ ونسب إلى طوبال بن يافث الأندلس والإيطاليين والأركاديين‏.‏ ونسب إلى طبراش بن يافث أجناس الترك واسم الغريقيين عنده يشمل أبناء يونان كلهم كما ذكره‏.‏ وينوع الروم إلى الغريقيين واللطينيين‏.‏ وقال ابن سعيد فيما نقله من تواريخ المشرق عن البيهقي وغيره‏:‏ إن يونان هو ابن علجان بن يافث قال‏:‏ ولذلك يقال لهم العلوج ويشركهم في هذا النسب سائر أهل الشمال من غير الترك‏.‏ وإن الشعوب الثلاثة من ولد يونان‏:‏ فالاغريقيون من ولد أغريقش بن يونان والروم من ولد رومي بن يومان واللطينيون من ولد لطين بن يونان وإن الإسكندر من الروم منهم والله أعلم‏.‏ ونحن الآن نذكر أخبار الدولتين الشهيرتين منهم مبلغ علمنا والله الموفق للصواب سبحانه وتعالى‏.‏

  الخبر عن دولة يونان والإسكندر منهم وما كان لهم من الملك والسلطان إلى انقراض أمرهم هؤلاء اليونانيون المتشبعون إلى الغريقيين واللطينيين

كما قلناه اختصوا بسكنى الناحية الشمالية من المعمور مع إخوانهم من سائر بني يافث كلهم كالصقالبة والترك والإفرنجة من ورائهم وغيرهم من شعوب يافث‏.‏ ولهم منها الوسط ما بين جزيرة الأندلس إلى بلاد الترك بالمشرق طولاً وما بين البحر المحيط والبحر الرومي عرضاً فمواطن اللطينيين منهم في الجانب الغربي ومواطن الغريقيين منهم في الجانب الشرقي والبحر بينهما خليج القسطنطينية‏.‏ وكان لكل واحد من شعبي الغريقيين واللطينيين منهم دولة عظيمة مشهورة في العالم واختص الغريقيون باسم اليونانيين وكان منهم الاسكندر المشهور الذكر أحد ملوك العالم وكانت ديارهم كما قلناه بالناحية الشرقية من ثم استولى على ما وراء ذلك من بلاد الترك والعراق والهند ثم جال أرمينية وما وراءها من بلاد الشام وبلاد مقدونية ومصر والإسكندرية وكان ملوكهم يعرفون بملوك مقدونية‏.‏ وذكر هروشيوش مؤرخ الروم من شعوب هؤلاء الغريقيين نحو لجدمون‏.‏ وبنو أنتناش‏.‏ قال‏:‏ وإليهم ينسب الحكماء الأنتاشيون وهم ينسبون لمدينتهم أجدة أنتاش‏.‏ قال‏:‏ ومن شعوبهم أيضاً بنو طمان ولجدمون كلهم بنو شمالا بن إيشاي وقال في موضع آخر‏:‏ لجدمون أخو شمالا‏.‏ وكانت شعوب هذه الأمة قبل الفرس والقبط وبني إسرائيل متفرقة بافتراق شعوبها وكان بينهم وبين إخوانهم اللطينيين فتن وحروب‏.‏ ولما استفحل ملك فارس لعهد الكينية أرادوهم على الطاعة لهم فامتنعوا وغزتهم فارس فاستصرخوا عليهم بالقبط فسالموهم إلى محاربة الغريقيين حتى أذلوهم وأخذوا الجزى منهم وولوا عليهم‏.‏ ويقال أن أفريدون ولى عليهم ابنه‏.‏ وأن جده الإسكندر لأبيه من أعقابه‏.‏ ويقال‏:‏ إن بختنصر لما ملك مصر والمغرب أنفوه بالطاعة وكانوا يحملون خراجهم إلى ملك فارس عدداً من كرات الذهب أمثال البيض ضريبة معلومة عليهم في كل سنة‏.‏ ولما فرغوا من شأن أهل فارس وأنفوا ملكهم بالجزى والطاعة صرفوا وجوههم إلى حرب الليطينيين ثم استفحل أمر الإيشائيين من الغريقيين ولم يكن قوامهم إلا الجرمونيون فغلبوهم وغلبوا بعدهم اللطينيين والفرناسيين والأركاديين‏.‏ واجتمع إليهم سائر شعوب الغريقيين واعتز وقال ابن سعيد‏:‏ إن الملك استقر بعد يونان في ابنه أغريقش في الجانب الشرقي من خليج قسطنطينية وتوالى الملك في ولده وقهروا اللطينيين والروم ودال ملكهم في أرمينية وكان من أعظمهم هرقل الجبار بن ملكاًن بن سلقوس بن أغريقش‏.‏ يقال‏:‏ إنه ضرب الأتاوة على الأقاليم السبعة وملك بعده ابنه يلاق وإليه تنسب الأمة اليلاقية وهي الآن باقية على بحر سودان‏.‏ واتصل الملك في عقب يلاق إلى أن ظهر إخوانهم الروم واستبدوا بالملك‏.‏ وكان أولهم هردوس بن منطرون بن رومي ابن يونان‏.‏ فملك الأمم الثلاثة وصار اسمه لقباً لكل من ملك بعده‏.‏ وسمت به يهود الشام كل من قام بأمرها منهم‏.‏ ثم ملك بعده ابنه هرمس‏.‏ فكانت له حروب مع الفرس إلى أن قهروه وضربوا عليه الأتاوة فاضطرب حينئذ أمر اليونانيين وصاروا دولاً وممالك‏.‏ وانفرد الإغريقيون برئيس لهم وصنع مثل ذلك اللطينيون إلا أن اللقب بملك الملوك كان لملك الروم‏.‏ ثم ملك بعده ابنه مطريوش فحمل الأتاوة لملك الفرس لاشتغاله بحرب اللطينيين والإغريقيين‏.‏ وملك بعده ابنه فيلفوش وكانت أمه من ولد أفريدون الذي ملكه أبوه على اليونان فظهر وهدم مدينة أغريقية وبنى مدينة مقدونية في وسط الممالك بالجانب الغربي من الخليج‏.‏ وكان محباً للحكمة فلذلك كثر ثم ملك من بعده ابنه الإسكندر وكان معلمه من الحكماء أرسطو‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إن أباه فيلفوش إنما ملك بعد الاسكندر ابن تراوش أحد ملوكهم العظماء‏.‏ وكان فيلفوش صهراً له على أخته لينبادة بنت تراوش وكان له منها الإسكندر الأعظم‏.‏ قال وكان ملك الإسكندر بن تراوش لعهد أربعة آلاف وثمانمائة من عهد الخليقة ولعهد أربعمائة أو نحوها من بناء رومة‏.‏ وهلك وهو محاصر لرومة قتله اللطينيون عليها لسبع سنين من دولته‏.‏ فولي أمر الغريقيين والروم من بعده صهره على أخته لينبادة فيلفوش بن آمنتة بن هركلش‏.‏ واختلفوا عليه فافترق أمرهم وحاربهم إلى أن انقادوا وغلبهم على سائر أوطانهم وأراد بناء القسطنطينية فمنعه الجرمانيون بما كانت لهم فقاتلهم حتى استلحمهم واجتمع إليه سائر الروم والغريقيين من بني يونان‏.‏ وملك ما بين المانية وجبال أرمينية‏.‏ وكان الفرس لذلك العهد قد استولوا على الشام ومصر فاعتزم فيلوفش على غزو الشام فاغتاله في طريقه بعض اللطينيين وقتله بثأر كان له عنده‏.‏ وولي من بعده ابنه الإسكندر فاستمر على مطالبة بلاد الشام وبعث إليه ملوك فارس في الخراج على الرسم الذي كان لعهد أبيه فيلفوش فبعث إليه الإسكندر إني قد ذبحت تلك الدجاجة التي كانت تبيض الذهب وأكلتها‏.‏ ثم زحف إلى بلاد الشام واستولى عليها وفتح بيت المقدس وقرب فيه القربان وذلك لعهد مائتين وخمسين من فتح بختنصر إياها‏.‏ وامتعض أهل فارس لانتزاعه إياها من ملكتهم فزحف إليه دارا في ستين ألفاً من الفرس ولقيه الإسكندر في ستمائة ألف من قومه فغلبهم وفتح كثيراً من مدن الشام ورجع إلى طرسوس فزحف إليه دارا ولقيه عليها فهزمه الإسكندر وافتتح طرسوس ومضى وبنى الإسكندرية‏.‏ ثم تزاحف مع دارا وهزمه وقتله وتخطى إلى فارس فملك بلادها وهدم مدينة الملك بها وسبى أهلها وأشار عليه معلمه إلى أرسطو بأن يجعل الملك في أسافلهم لتتفرق كلمتهم ويخلص إليه أمرهم‏.‏ فكاتب الإسكندر ملوك كل ناحية من الفرس والنبط والعرب وملك على كل ناحية وتوجه فصاروا طوائف في ملكهم‏.‏ واستبد كل واحد منهم بجهة كان ملكها لعقبه‏.‏ ومعلمه أرسطو هذا من اليونانيين وكان مسكنه أثينا وكان كبير حكماء الخليقة غير منازع‏.‏ أخذ الحكمة عن أفلاطون اليوناني‏.‏ كان يعلم الحكمة وهو ماش تحت الرواق المظلل له من حر الشمس فسمي تلاميذه بالمشائين وأخذ أفلاطون عن سقراط ويعرف بسقراط الدن بسكناه في دن من الخزف اتخذه لرهبانيته وقتله قومه أهل يونان مسموماً لما نهاهم عن عبادة الأوثان‏.‏ وكان هو أخذ الحكمة عن فيثاغورس منهم‏.‏ ويقال‏:‏ إن فيثاغورس أخذ عن تاليس حكيم ملطية وأخذ تاليس عن لقمان‏.‏ ومن حكماء اليونانيين دميقراطيس وأنكسيثاغورس كان مع حكمته مبرزاً في علم الطب وبعث فيه بهمن ملك الفرس إلى ملك يونان فامتنع من إيفاده عليه ضنانة به‏.‏ وكان من تلامذته جالينوس لعهد عيسى عليه السلام ومات بصقلية ودفن بها‏.‏ ولما استولى الإسكندر على بلاد فارس تخطاها إلى بلاد السند فملكها وبنى بها مدينة سماها الإسكندرية‏.‏ ثم زحف إلى بلاد الهند فغلب على أكثرها وحاربه فور ملك الهند فانهزم وأخذه الإسكندر أسيراً بعد حروب طويلة وغلب على جميع طوائف الهنود وملك بلاد الصين والسند وذللت إليه الملوك وحملت إليه الهدايا والخراج من كل ناحية‏.‏ وراسله ملوك الأرض من أفريقية والمغرب والإفرنجة والصقالبة والسودان‏.‏ ثم ملك بلاد خراسان والترك واختط مدينة الإسكندرية عند مصب النيل في البحر الرومي واستولى على الملوك‏.‏ يقال على خمسة وثلاثين ملكاً وعاد إلى بابل فمات بها‏.‏ يقال مسموماً سمه عامله على مقدونية لأن أمه شكته إلى الإسكندر فتوعده فأهدى له سماً وتناوله فمات لاثنتين وأربعين سنة من عمره بعد أن ملك اثنتي عشرة سنة‏:‏ سبعاً منها قبل مقتل دارا وخمساً بعده‏.‏ قال الطبري‏:‏ ولما مات عرض الملك على ابنه اسكندروس فاختار الرهبانية فملك يونان عليهم لوغوس من بيت الملك ولقبه بطليموس‏.‏ قال المسعودي‏:‏ ثم صارت هذه التسمية لكل من يملك منهم ومدينتهم مقدونية وينزلون الإسكندرية وملك منهم أربعة عشر ملكاً في ثلثمائة سنة‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ كان قسم الملك في حياته بين أربعة من أمرائه‏:‏ بطليموس فلدفوس كان على الإسكندرية وصر والمغرب وفيلفوس بمقدونية وما إليها من ممالك الروم وهو الذي سم الإسكندر ودمطرس بالشام وسلقوس بفارس والمشرق‏.‏ فلما مات استبد كل واحد بناحيته‏.‏ وكتب أرسطو شرح كتاب هرمس وترجمه من اللسان المصري إلى اليوناني وشرح ما فيه من العلوم والحكمة والطلسمات‏.‏ وكتاب الأسطماخيس يحتوي على عبادة الأول وذكر فيه أن أهل الأقاليم السبعة كانوا يعبدون الكواكب السيارة كل إقليم لكوكب ويسجدون له ويبخرون ويقربون ويذبحون‏.‏ وروحانية ذلك الكوكب تدبرهم بزعمهم‏.‏ وكتاب الإستماطيس يحتوي على فتح المدن والحصون بالطلسمات والحكم ومنها طلسمات لانزال المطر وجلب المياه‏.‏ وكتب الأشطرطاش في الاختبارات على سرى القمر في المنازل والاتصالات‏.‏ وكتب أخرى في منافع وخواص الأعضاء الحيوانيات والأحجار والأشجار والحشائش‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إن الذي ملك بعد الإسكندر صاحب عسكره بطليموس بن لاوي فقام بأمرهم ونزل الإسكندرية واتخذها داراً لملكهم‏.‏ ونهض كلمنس بن الإسكندر وأمه بنت دارا ولينبادة أم الإسكندر وساروا إلى صاحب أنطاكية واسمه فمشاندر قتلهم‏.‏ واختلف الغريقيون على بطليموس وافترق أمره وحارب كل واحد منهم ناحيته إلى أن غلبهم جميعاً واستقام أمره‏.‏ ثم زحف إلى فلسطين وتغلب على اليهود وأثخن فيهم بالقتل والسبي والأسر‏.‏ ونقل رؤساءهم إلى مصر‏.‏ ثم هلك لأربعين سنة من ملكه وولي بعده ابنه فلديغيش وأطلق أسرى اليهود من مصر ورد الأواني إلى البيت وحباهم بآنية من الذهب وأمرهم بتعليقها في مسجد القدس وجمع سبعين من أحبار اليهود ترجموا له التوراة من اللسان العبراني إلى اللسان الرومي واللطيني‏.‏ ثم هلك فلديغيش لثمان وثلاثين سنة من ملكه وولي بعده ابنه أنطريس ويلقب أيضاً بطليموس لقبهم المخصوص بهم إلى آخر دولتهم‏.‏ فانعقدت السلم بينه وبين أهل أفريقية على مدعيون ملك قرطاجنة ووفد عليه وعقد معه الصلح عن قومه‏.‏ وزحف قواد رومة إلى الغريقيين ونالوا منهم‏.‏ ثم هلك أنطريس لست وعشرين سنة من ملكه وولي بعده أخوه فلوباذي فزحف إليه قواد رومة فهزمهم وجال في ممالكهم‏.‏ ثم كانت حروبه معهم بعدها سجالاً‏.‏ وزحف إلى اليهود فملك الشام عليهم وولى الولاة من قبله فيهم وأثخن بالقتل والسبي فيهم‏.‏ يقال إنه قتل منهم نحواً من ستين ألفاً‏.‏ وهلك لسبع عشرة سنة من ملكه وولي بعده ابنه إيفانش وعلى عهده كانت فتنة أهل رومة وأهل أفريقية التي اتصلت نحواً من عشرين سنة‏.‏ وافتتح أهل رومة صقلية وأجاز قوادهم إلى أفريقية وافتتحوا قرطاجنة كما نذكر في أخبارهم‏.‏ وهلك إيفانش لأربع وعشرين سنة من دولته‏.‏

وولي بعده بالإسكندرية ابنه فلوماطر فزحف الغريقيون إلى رومة وكان فيهم صاحب مقدونية وأهل أرمينية والعراق وظاهرهم مهلك النوبة واجتمعوا لذلك فغلبهم الرومانيون وأسروا صاحب مقدونية وهلك فلوماطر لخمس وثلاثين سنة من ملكه‏.‏ وولي بعده ابنه إيرياطس وعلى عهده استفحل ملك أهل رومة واستولوا على الأندلس وجازوا البحر إلى قرطاجنة بأفريقية فملكوها وقتلوا ملكها أشدريال وخربوا مدينتها بعد أن عمرت تسعمائة سنة من بنائها كما نذكره في أخبارها‏.‏ وزحف أيضاً أهل رومة إلى الغريقيين فغلبوهم وملكوا عليهم مدينتهم قرنطة من أعظم مدنهم‏.‏ يقال إنها كانت ثانية قرطاجنة‏.‏ ثم هلك إيرياطس لسبع وعشرين سنة من ملكه وولي بعده ابنه شوطار سبع عشرة سنة‏.‏ وعلى عهده استفحل ملك أهل رومة ومهدوا الأندلس‏.‏ وملك بعده أخوه الإسكندر عشر سنين ثم ابنه ديونشيس مائة وثلاثين سنة‏.‏ وعلى عهده استولى الرومانيون على بيت المقدس ووضعوا الجزية على اليهود وزحف قيصر يوليوس من قوادهم إلى الإفرنجة ولمياش أيضاً من قوادهم إلى الفرس فغلبوهم جميعاً ومما حولهم إلى أنطاكية واستولوا على ما كان لهم من ذلك وخرج الترك من بلادهم فأغاروا على مقدونية فردهم هامس قائد الرومانيين بالمشرق على أعقابهم‏.‏ وهلك ديونشيس فوليت بعده ابنته كلابطرة سنتين فيما قال هروشيوش لخمسة آلاف ونيف من مبدإ الخليقة ولسبعمائة سنة من بناء رومة‏.‏ وعلى عهدها استبد قيصر يوليوس بملك رومة وغلب عليها القواد أجمع ومحا دولتهم منها وذلك بعد مرجعه من حرب الإفرنج‏.‏ ثم سار إلى المشرق فملك إلى أرمينية ونازعه مبانش هنالك فهزمه قيصر وفر مبانش إلى مصر مستنجداً بملكتها - وهي يومئذ كلابطرة - فبعثت برأسه إلى قيصر خوفاً منه فلم يغنها ذلك وزحف قيصر إليها فملك مصر والإسكندرية من كلابطرة هذه وانقرض ملك اليونانيين وولي قيصر على مصر والإسكندرية وبيت المقدس من قبله وذلك لسبعمائة أو نحوها من بناء رومة ولخمسة آلاف من مبدإ الخليقة‏.‏ وذكر البيهقي أن كلابطرة زحفت إلى أرض اللطينيين وقهرتهم وأرادت العبور إلى الأندلس فحال دونها الجبل الحاجز بين الأندلس والإفرنج فاستعملت في فتحه الحيل والنار حتى نفذت إلى الأندلس وإن مهلكها كان على يد أوغسطوس يوليوس ثاني القياصرة‏.‏ وكذا ذكر المسعودي وأنها ملكت اثنتين وعشرين سنة وكان زوجها أنطونيوس مشاركاً لها في ملك مقدونية ومضر وأن قيصر أوغسطوس زحف إليهم فهلك زوجها أنطونيوس في حروبه‏.‏ ثم أراد التحكم في كلابطرة ليستولي على حكمتها إذ كانت بقية الحكماء من آل يونان فخطبها وتحيلت في إهلاكه وإهلاك نفسها بعد أن اتخذت بعض الحيات القاتلة التي بين الشام والحجاز وأطلقتها بمجلسها بين رياحين نصبتها هنالك ولمست الحيات فهلكت لحينها وأقامت بمكانها كأنها جالسة ودخل أوغسطس لا يشعر بذلك حتى تناول من تلك الرياحين ليشمها فأصابته الحية وهلك لحينه وتمت حيلتها عليه‏.‏ وانقرض ملك اليونانيين بهلاكها وذهبت علومهم إلا ما بقي بأيدي حكمائهم في كتب خزائنهم حتى بعث عنها المأمون وأمر باستخراجها فترجمت له من هروشيوش‏.‏ وأما ابن العميد فعد ملوك مصر والاسكندرية بعد الإسكندر أربعة عشر آخرهم كلابطرة كلهم يسمون بطليموس كما قال المسعودي‏.‏ ولم يذكر ملوك المشرق منهم بعد الإسكندر ولا ملوك الشام ولا ملوك مقدونية الذين قسم الملك فيهم كما ذكرناه إلا بذكر ملك أنطاكية من اليونانيين ويسميه أنطيوخس كما ذكرناه الآن‏.‏ وذكر في أسماء ملوك مصر هؤلاء وفي عددهم خلافاً كثيراً إلا أنه سمى كل واحد منهم بطليموس‏.‏ فقال في بطليموس الأول إنه أخو الإسكندر أو مولاه اسمه‏:‏ فلافاذافسد أو أرنداوس أو لوغس أوفيلبس ملك سبعاً وقيل أربعين‏.‏ قال وفي عصره بنى سلقيوس وأظنه ملك المشرق منهم قمامة وحلب وقنسرين وسلوقية واللاذقية‏.‏ قال ومنها كان الكوهن الأعظم بالقدس سمعان بن خونيا وبعده أخوه ألعازر قال وفي التاسعة من لوغش جاء أنطيوخس المعظم إلى بلاد اليهود واستعبدهم‏.‏ وفي الحادية عشر حارب الروم فغلبوه وأسروه وأخذوا منه ابنه أقفاقس رهينة‏.‏ وفي الثالثة عشر تزوج أنطيوخس كلابطرة بنت لوغس زوجها له أبوها وأخذ سورية بلاد المقدس في مهرها‏.‏ وفي التاسعة عشر وثب أهل فارس والمشرق على ملكهم فخلعوه وولوا ابنه ثم هلك لوغس‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ بعد مائة وإحدى وثلاثين سنة لليونان ملك بطليموس بن الإسكندروس ويلقب غالب أثور وملك مصر والإسكندرية والبلاد الغربية إحدى وعشرين سنة وقيل ثمانياً وثلاثين سنة ويسمى أيضاً فيلادلفوس أي‏:‏ محب أخيه وهو الذي استدعى أحبار اليهود وعلماءهم الاثنين وسبعين يترجموا له التوراة وكتب الأنبياء من العبرانية إلى اليونانية وقابلوها بنسخهم فصحت‏.‏ وكان من هؤلاء الأحبار سمعان المذكور أولاً وعاش إلى أن حمل على ذراعيه في الهيكل ومات ابن ثلثمائة وخمسين‏.‏ سبعين سنة‏.‏ ويظهر من هذا أن بطليموس هو تلماي وإنه من ملوك مقدونية وملك مصر لان ابن كريون قال‏:‏ وفي ذلك الزمان كان تلماي من أهل مقدونية ملك مصر وكان يحب العلوم‏.‏ فاستدعى من اليهود سبعين من أحبارهم وترجموا له التوراة وكتب الأنبياء‏.‏ وكان في عصره صادوق الكوهن انتهى‏.‏ وملك خمساً وأربعين سنة وملك بعده بطليموس الأرنبا وقيل اسمه رغادي وقيل راكب الأنبر ملك أربعاً وعشرين وقيل سبعاً وعشرين وهو الذي بنى ملعب الخيل باسكندرية الذي أحرق في عصر زينون قيصر‏.‏ وملك بعده بطليموس محب أخيه ويقال أوغسطس ويقال فيلادلفس ملك ست عشرة سنة وكان في عصره أخميم الكوهن‏.‏ وملك بعده بطليموس الصائغ ويقال أخيه ملك خمس سنين وقيل خمساً وعشرين‏.‏ وعلى عهده كان اليهود الكوهن وكان ضالاً غشوماً وقتله بعض خدمه خنقاً‏.‏ و ملك بعده بطليموس محب أبيه وقيل اسمه فيلوباطر ملك سبع عشرة سنة وأخذ الجزية من اليهود‏.‏ وملك بعده بطليموس المظفر وقيل الغالب وقيل محب أمه ملك عشرين وقيل أربعاً وعشرين‏.‏ وفي التاسع عشر من ملكه خرج متيتياً بن يوحنا بن شمعون الكوهن الأعظم ويعرف بحشمناي من بني يوناداب من نسل هارون‏.‏ وبعث أنطيوخس ملك أنطاكية ابنه ألغايش بالعساكر إلى القدس فأعمل الحيلة في ملكها وقتل ألعازر الكوهن وحمل بني إسرائيل على السجود لآلهته‏.‏ فهرب متيتا في جماعة من اليهود إلى الجبال‏.‏ حتى إذا خرجت عساكر يونان رجع إلى القدس ومر بالمذبح فوجد يهودياً يذبح خنزيراً عليه‏.‏ وثار باليونانيين فقتل قائدهم وأخرجهم واستبد بملك القدس كما ذكرناه في أخباره‏.‏ ثم ملك بطليموس فيلوباطر أي‏:‏ محب أبيه خمساً وعشرين سنة وقيل عشرين‏.‏ وكان في أيامه بالقدس يهوذا بن متيتيا وبعده أخوه يوناداب وبعده أخوه شمعون وبعده أخوه هرقانوس واسمه يوحنان وهو أول من تسمى بالملك من بني حشمناي‏.‏ وبعث ابنه يوحنا بالعساكر لقتال قيدونوس قائد أنطيوخس فغلبه‏.‏ وارتفع عن اليهود الخراج الذي كانوا يعطونه لملوك سورية من أيام فيلبوس ملك المشرق‏.‏ وملك بعده بطليموس أرغادي أي الفاضل وقيل بطليموس الصايغ وقيل سانيطر ملك عشرين وقيل ثلاثاً وعشرين وقيل ثلاثة عشر‏.‏ ولعهده جدد أنطيوخس بناء أنطاكية وسماها باسمه‏.‏ ولعهده كان ملك هرقانوس على القدس وبنيه الثلاثة وخرب مدينة السامرة سبسطية ولعهده أيضاً زحف أنطيوخس إلى القدس وحاصرها فصانعه هرقانوس بثلثمائة كرة من الذهب استخرجها من قبر داود عليه السلام‏.‏ ثم ملك على مصر والإسكندرية بطليموس المخلص وقيل مقروطون وقيل شعري ملك ثماني عشرة وقيل عشرين وقيل سبعاً وعشرين ولعهده كان الإسكندروس تلماي بن هرقانوس سابع بني حشمناي بالقدس‏.‏ وكانت فرق اليهود عندهم ثلاثة‏:‏ الربانيون ثم القراوون وهم في الإنجيل زنادقة وهم في الإنجيل الكتبة‏.‏ ثم على مصر بطليموس محب أمه وقيل الإسكندروس وقيل قيقتس وقيل الإسكندر وقيل ابن المخلص ملك عشر سنين لا غير‏.‏ ولعهده كانت الإسكندرة ملكة على بيت المقدس‏.‏ ولعهده بطلت مملكة سورية لمائتين وسبع عشرة سنة من ملك يونان‏.‏ وقتل بطليموس هذا قتله أهل إهراقية وأحرقوه‏.‏ ثم ملك على مصر بطليموس فيناس وقيل إيزيس وقيل المنفي لأن كلابطرة الملكة نفته عن الملك وملك ثمان سنين وقيل ثلاثاً وعشرين يوماً وقيل ثمانية عشر يوماً‏.‏ وبعضهم أسقطه من البطالسة ولم يذكره‏.‏ ثم ملك على مصر بطليموس يوناشيش إحدى وعشرين سنة وقيل إحدى وثلاثين وقيل ثلاثين‏.‏ ولعهده كان أرستبلوس وأخوه هرقانوس على القدس‏.‏ ثم ملك على مصر كلابطرة بنت ديوناشيش ومعنى هذا الاسم الساكنة على الصخرة‏.‏ وملكت ثلاثين وقيل اثنتين وعشرين وكانت حاذقة‏.‏ وفي الثالثة من ملكها حفرت خليج الإسكندرية وجرى فيه الماء‏.‏ وبنت باسكندرية هيكل زحل والعاروص وبنت مقياساً بأخميم وآخر بمدينة أنصناء‏.‏ وفي الرابعة من ملكها ملك برومة أغانيوس أول القياصرة ملك أربعاً ثم يوليوس بعده ثلاثاً ثم أغسطس بن مونوجس فاستولى على الممالك والنواحي وبلغ خبره إليها فحصنت بلادها وبنت حائطاً من الفرماء إلى النوبة شرقي النيل وحائطاً آخر من إسكندرية إلى النوبة غربي النيل وهو حائط العجوز لهذا العهد وبعث أوغسطس العساكر إلى مصر مع قائده أنطريوس ومعه متردات ملك الأرمن فخادعت كلابطرة أنطريوس وأوعدته بتزويجها فقتل رفيقه متردات وتزوجها وعصى أوغسطس‏.‏ فسار أوغسطس إليها وملك مصر وقتل كلابطرة وولديها وقائده بطريوس الذي تزوجها‏.‏ ويقال إنها وضعت له سماً في مجلسها وإن أوغسطس تناوله ومات والله أعلم‏.‏ وانقرضت مملكة يونان من مصر والاسكندرية والمغرب بملكها وصارت هذه الممالك للروم إلى حين الفتح الإسلامي‏.‏ انتهى كلام ابن العميد‏.‏ والخلاف الذي ينقله عن جماعة مؤرخيهم يذكر منهم سعيد بن بطريق ويوحنا فم الذهب والمنجي وابن الراهب وابيفانيوس‏.‏ والظاهر أنهم من مؤرخي النصارى والبقاء لله الواحد القهار سبحانه لا إله غيره ولا معبود سواه‏.‏

  الخبر عن اللطينيين وهو الكيتم المعروفون بالروم من أمم يونان و أشياعهم وشعوبهم

وما كان لهم من الملك والغلب وذكر الدولة التي فيهم للقياصرة وأولية ذلك ومصايره هذه الأمة من أشهر أمم العالم وهي ثانية الغريقيين عند هروشيوش ويجتمعان في نسب يونان‏.‏ وثالثتهم عند البيهقي ويجتمعون في نسب يونان بن علجان بن يافث‏.‏ واسم الروم يشملهم ثلاثتهم لما كان الروم أهل المملكة العظمى منهم‏.‏ ومواطن هؤلاء الليطينيين بالناحية الغربية من خليج القسطنطينية إلى بلاد الإفرنجة فيما بين البحر المحيط والبحر الرومي من شماليه‏.‏ وملك هذه الأمة قديماً‏.‏ كانت لهم مدينة اسمها طروبة وذكر هروشيوش أن أول من ملك من الليطينيين ألفنس بن شطرنش بن أيوب وذلك لعهد دائرة بني إسرائيل وقد مر ذكرها‏.‏ وفي آخر الألف الرابع من مبدإ الخليقة‏.‏ وملك من بعده ابنه بريامش واتصل الملك في عقب ألفنس هذا وإخوته وكان منهم كرمنس بن مرسية بن شيبن بن مزكة الذي ألف حروف اللسان اللطيني وأثبتها ولم تكن قبله‏.‏ وذلك على عهد يؤاثير بن كلعاد من حكام بني إسرائيل بعد أربعة آلاف وخمسين من مبدإ الخليقة‏.‏ وكان بين هؤلاء اللطينيين وبين الغريقيين إخوانهم فتن طويلة وعلى يدهم خربت طروبة مدينة اللطينيين لعهد أربعة آلاف ومائة وعشرين من مبدإ الخليقة أيام عبدون ملك بني إسرائيل وقد مر ذكره‏.‏ وكان ملكهم يومئذ أناش من عقب بريامش بن ألفنس بن شطرنش‏.‏ وولي بعده ابنه أشكانيش بن أناس وهو الذي بنى مدينة ألبا‏.‏ ثم اتصل الملك فيهم إلى أن افترق أمرهم‏.‏ ثم كان من أعقابهم برقاش أيام انقراض ملك الكلدانيين‏.‏ وصار للمازنيين والقضاعيين على عهد عزيا بن أمصيا من ملوك بني إسرائيل ولعهد أربعة آلاف ومائة وعشرين سنة من مبدإ الخليقة فصار الأمر في اللطينيين لبرقاش هذا بتولية ملك المازنيين ما كان لهم وللسرينيين قبلهم من الصيت في العالم والتفوق على الملوك بنسبهم وعصبيتهم‏.‏ ثم إتصل الملك لابنه ولحافديه روملس وداموس وهما اللذين اختطا مدينة روما وذلك لعهد أربعة آلاف وخمسمائة سنة من مبدإ الخليقة وعلى عهد حزقيا بن آحآز ملك بني إسرائيل ولأربعمائة ونيف من خراب مدينة طروبة‏.‏ وكان طول مدينة رومة من الشمال إلى الجنوب عشرين ميلاً في عرض اثني عشر ميلاً وارتفاع سورها ثمانية وأربعون ذراعاً في عرض عشرة أذرع وكانت من أحفل مدن العالم‏.‏ و تزل دارا مملكة اللطينيين والقياصرة منهم حتى صبحهم الإسلام وهي في ملكهم‏.‏ وكان اللطينيون بعد رملس وداموس وانقراض عقبهم قد سئموا ولاية الملوك عليهما فعزلوهم وصار أمرهم شورى بين الوزراء وكانوا يسمونهم القنشلش ومعناه الوزراء بلغتهم‏.‏ وكان عددهم سبعين على ما ذكر هروشيوش‏.‏ ولم يزل أمرهم على ذلك مدة سبعمائة سنة إلى أن استبد عليهم قيصر يوليوس بن غايش أول ملوك القياصرة كما نذكره بعد‏.‏ وكانت لهم حروب مع الأمم المجاورة لهم من كل جهة فحاربوا اليونانيين ثم حاربوا الفرس من بعدهم واستولوا على الشام ومصر‏.‏ ثم ملكوا جزيرة الأندلس ثم جزيرة صقلية ثم أجازوا إلى أفريقية فملكوها وخربوا قرطاجنة‏.‏ وأجاز أهل أفريقية إليهم وحاصروا رومة واتصلت الفتن بينهم عشرين سنة أو نحوها على ما نذكر وذهب جماعة من الإخباريين إلى أن الروم من ولد عيصو بن إسحاق عليه السلام‏.‏ قال ابن كريون‏:‏ كان لليفاز ابن عيصو ولد اسمه صفوا ولما خرج يوسف من مصر ليدفن أباه يعقوب في مدينة الخليل عليه السلام اعترضه بنو عيصو وقاتلوه فهزمهم وأسر منهم صفوا بن أليفاز وبعثه إلى أفريقية فصار عند ملكها واشتهر بالشجاعة وحدثت الفتنة بين أغنياس وبين الكيتم وراء البحر فأجاز إليهم أغنياس في أهل أفريقية وأثخن فيهم وظهرت شجاعة صفوا بن أليفاز‏.‏ ثم هرب صفوا إلى الكيتم وعظم بينهم وحسن أثره في أهل أفريقية وفي الأمم المجاورة لكيتم من أموال وغيرها فزوجوه وملكوه عليهم‏.‏ قال‏:‏ وهو أول من ملك في بلاد أسبانيا وأقام ملكاً خمساً وخمسين سنة‏.‏ ثم عد ابن كريون بعده ستة عشر ملكاً من أعقابه آخرهم روملس باني رومة وكان لعهد داود عليه السلام وخاف منه فوضع مدينة رومة وبنى على جميعها هياكله ونسبت المدينة إليه وسميت باسمه وسمى أهنها الروم نسبة إليها‏.‏ ثم عد بعد روملس خمسة من الملوك الهيكل وأجمع أهل رومة أن لايولوا عليهم ملكاً‏.‏ وقدموا شيوخاً ثلثمائة وعشرين يدبرون ملكهم فاستقام أمرهم كما يجب إلى أن تغلب قيصر وسمى نفسه ملكاً فصاروا من بعده يسمون ملوكاً‏.‏ انتهى كلام ابن كريون وهو مناقض لما قاله هروشيوش‏.‏ فإنه زعم أن بناء رومة كان لعهد داود عليه السلام وهروشيوش قال إنه كان لعهد حزقيا رابع عشر ملوك بني يهوذا من لدن داود عليه السلام وبين المدتين تفاوت‏.‏ وخبر هروشيوش مقدم لأن واضعيه مسلمان كانا يترجمان لخلفاء الإسلام بقرطبة وهما معروفان ووضعا الكتاب‏.‏ فالله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك‏.‏

  الخبر عن فتنة الكيتم مع أهل أفريقية وتخريب قرطاجنة ثم بناؤها على الكيتم وهم اللطينيون

كان بناء قرطاجنة هذه قبل بناء رومة باثنتين وسبعين سنة‏.‏ قال هروشيوش على يدي ديدن بن أليثا من نسل عيصو بن إسحاق وكان بها أمير يسمى ملكون وهو الذي بعث إلى الإسكندر بطاعته عند استيلائه على طرسوس‏.‏ ثم صار ملك أفريقية إلى أملقا من ملوكهم فافتتح صقلية وهاجت الحرب بينه وبين الرومانيين وأهل الإسكندرية بسبب أهل سردانية وذلك لخمسين سنة من بناء رومة‏.‏ ثم وقعت السلم بينهم وهي السلم التي وفد فيها عتون من ملوك ثم ولى بقرطاجنة أملقا ابنه أنبيل فأجاز إلى بلاد الإفرنج وغلبهم على بلادهم وزحف إليه قواد رومة فوالى عليهم الهزائم وبعث أخاه أشدريال إلى الأندلس فملكها وخالفه قواد الرومانيين إلى أفريقية بعد أن ملكوا من حصون صقلية أربعين أو نحوها‏.‏ ثم أجازوا إلى أفريقية فملكوها وقتلوا غشول خليفة أنبيل فيها وافتتحوا مدينة جردا‏.‏ وخرج آخرون من قواد رومة إلى الأندلس فهزموا أشدريال واتبعوه إلى أن قتلوه وفر أخوه أنهبيل عن بلادهم بعد ثلاث عشرة سنة من إجازته إليهم‏.‏ وبعد أن حاصر رومة وأثخن في نواحيها فلحق بافريقية ولقيه قواد أهل رومة الذين أجازوا إلى أفريقية فهزموه وحاصروه بقرطاجنة حتى سأل الصلح على أن يغرم لهم ثلاثة آلاف قنطار من الفضة فأجابوه إليه وسكنت الحرب بينهم ثم ظاهر بعد ذلك أنبيل صاحب أفريقية ملوك السرياينين على حرب أهل رومة فهلك في حربهم مسموماً‏.‏ وبعد أن تخلص أهل رومة من تلك الحروب رجعوا إلى الأندلس فملكوها ثم أجازوا البحر إلى قرطاجنة ففتحوها وقتلوا ملكها يومئذ أنبيل وخربوها لتسعمائة سنة من بنائها وسبعمائة لبناء رومة‏.‏ ثم دارت الحرب بين أهل رومة وملك النوبة واستظهر ملك النوبة بالبربر بعد أن هزموا أهل رومة واتبعوه إلى قفصة فملكوها واستولوا على ذخيرتها وهي من بناء أركلش الجبار ملك الروم وهزمهم أهل رومة فخافهم مالك البربر من ملوك النوبة إلى أن هلك في أسرهم وكانت هذه الحروب لعهد بطليموس الإسكندر بعد أن كان قواد رومة اجتمعوا على بناء قرطاجنة وتجديدها لاثنتين وعشرين سنة من خرابها فعمرت واتصل بها لأهل رومة ملك على ما نذكره بعد أن شاء الله تعالى‏.‏

  الخبر عن ملوك القياصرة من الكيتم وهم اللطينيون ومبد أ أمورهم ومصاير أحوالهم

لم يزل أمر هؤلاء الكيتم وهم اللطينيون راجعاً إلى الوزراء منذ سبعمائة سنة كما قلناه من عهد بناء رومة أو قبلها بقليل كما قال هروشيوش‏.‏ تقترع الوزراء في كل سنة فيخرج قائد منهم إلى كل ناحية كما توجبه القرعة فيحاربون أمم الطوائف ويفتحون الممالك‏.‏ وكانوا أولاً يعطون إخوانهم من الروم اليونانيين طاعة معروفة بعد الفتن والمحاربة حتى إذا هلك الإسكندر وافترق أمر اليونانيين والروم وفشلت ريحهم وقعت فتنة هؤلاء اللطينيين وهم الكيتم مع أهل أفريقية واستولوا عليها مراراً وخربوا قرطاجنة ثم بنوها كما ذكرناه‏.‏ وملكوا الأندلس وملكوا الشام وأرض الحجاز وقهروا العرب بالحجاز وافتتحوا بيت المقدس وأسروا ملكها يومئذ من اليهود وهو أرستبلوس بن الإسكندر ثامن ملوك بني حشمناي وغربوه إلى رومة وولوا قائدهم على ثم حاربوا ألغامس فكانت حروبهم معهم سجالاً إلى أن خرج يوليوس بن غايش ومعه ابن عمه لوجيار بن مدكة إلى جهة الأندلس وحارب من كان بها من الإفرنج والجلالقة إلى أن ملك بريطنية وأشبونة ورجع إلى رومة واستخلف على الأندلس أكتبيان ابن أخيه يونان‏.‏ فلما وصل إلى رومة وشعر الوزراء أنه يروم الاستبداد عليهم قتلوه فزحف أكتبيان ابن أخيه من الأندلس فأخذ بثأره وملك رومة واستولى على أرض قسطنطينية وفارس وأفريقية والأندلس‏.‏ وعمه بولس هو الذي تسمى قيصر فصار سمة لملوكهم من بعده‏.‏ وأصل هذا الاسم جاشر فعربته العرب إلى قيصر‏.‏ ولفظ جاشر مشترك عندهم فيقال جاشر للشعر‏.‏ وزعموا أن بولس ولد شعره نام يبلغ عينيه‏.‏ ويقال أيضاً للمشقوق جاشر‏.‏ وزعموا أن قيصر ماتت أمه وهي مقرب فبقر بطنها واستخرج بولس والأول أصح وأقرب إلى الصواب‏.‏ وكانت مدة بولس قيصر خمس سنين‏.‏ ولما ولى قيصر أكتبيان ابن أخته بملك الناحية الشمالية من الأرض ووفد عليه رسل الملوك بالمشرق يرغبون ولايته ويضرعون إليه في السلم فأسعفهم ودانت له أقطار الأرض‏.‏ وضرب الأتاوة على أهل الآفاق من الصغر وكان العامل على اليهود بالشام من قبله هيرودس بن أنظفتر وعلى مصر ابنه غايش‏.‏ وولد المسيح لاثنتين وأربعين سنة خلت من ملكه‏.‏ وهلك قيصر أكتبيان لست وخمسين من ملكه بعد وأما ابن العميد مؤر النصارى فذكر عن مبدإ هؤلاء القياصرة أن أمر رومة كان راجعاً إلى الشيوخ الذين يدبرون أمرهم وكانوا ثلثمائة وعشرين رجلاً لأنهم كانوا حلفوا أن لا يولوا عليهم ملكاً فكان تدبيرهم يرجع إلى هؤلاء وكانوا يقدمون واحداً منهم ويسمونه الشيخ وانتهى تدبيرهم في ذلك الزمان إلى أغانيوس فدبرهم أربع سنين وهو الذي سمي قيصر لأن أمه ماتت وهو جنين في بطنها فبقروا بطنها وأخرجوه‏.‏ ولما كبر انتهت إليه رياسة هؤلاء الشيوخ برومة أربع سنين‏.‏ ثم ولي من بعده يوليوس قيصر ثلات سنين ثم ولي من بعده أغسطس قيصر بن مرنوخس‏.‏ قال‏:‏ ويقال إن أوغسطس قيصر كان أحد قواد الشيخ مدبر رومة وتوجه بالعساكر لفتح المغرب والأندلس ففتحهما وعاد إلى رومة فملك عليهم وطرد الشيخ من رياسته بها وتدبيره ووافقته الناس على ذلك‏.‏ وكان للشيخ نائب بناحية المشرق يقال له فمقيوس فلما بلغه ذلك زحف بعساكره إلى رومة فخرج إليه أوغسطس فهزمه وقتله واستولى على ناحية المشرق وسير عساكره إلى فتح مصر مع قائدين من قواده وهما أنطونيوس ومتردات ملك الأرمن بدمشق فتوجها إلى مصر وبها يومئذ كلابطرة الملكة من قية البطالسة ملوك يونان بالإسكندرية ومصر فحصنت بلادها وبنت بعدوتي النيل حائطين مبدؤهما من النوبة إلى الإسكندرية غرباً وإلى ثم داخلت القائد أنطونيوس وخادعته بالتزويج فتزوجها وقتل رفيقه متردات وعصى على أوغسطس فزحف إليه وقتله وملك مصر وقتل كلابطرة وولديها وكانا يسميان الشمس والقمر‏.‏ وملك مصر والإسكندرية وذلك لاثنتي عشرة سنة من ملكه‏.‏ قال ولاثنتين وأربعين سنة من ملك أوغسطس ولد المسيح بعد مولد يحيى بثلاثة أشهر‏.‏ وذلك لتمام خمسة آلاف وخمسمائة سنة من سني العالم ولاثنتين وثلاثين من ملك هيردوس بالقدس وقيل لخمس وثلاثين من مملكته‏.‏ والكل متفقون على أنها لاثنتين وأربعين من ملك أوغسطس‏.‏ قال‏:‏ وسياقة التاريخ تقتضي أنها خمسة آلاف وخمسمائة شمسية من مبدإ العالم لأن من آدم إلى نوح ألفاً وستمائة ومن نوح إلى الطوفان ستمائة ومن الطوفان إلى إبراهيم ألفاً واثنتين وسبعين سنة ومن إبراهيم إلى موسى أربعمائة وخمساً وعشرين ومن موسى إلى داود عليهما السلام سبعمائة وستين ومن داود إلى الإسكندر سبعمائة وستين سنة ومن الإسكندر إلى مولد المسيح ثلثمائة وتسع عشرة سنة‏:‏ هكذا ذكر ابن العميد وأنها تواريخ النصارى وفيها نظر ويظهر من كلامه أن قيصر الذي سماه أوغسطس‏.‏ وذكر أن المسيح ولد لاثنتين وأربعين من ملكه هو الذي سماه هيردوس قيصر أكتبيان وجعل مهلكه لخمسة آلاف ومائتين من مبدإ الخليقة‏.‏ وعند ابن العميد أن ملكه لخمسة آلاف وخمسمائة وخمس عشرة والله أعلم بالحق من ذلك‏.‏ ثم ولي من بعده طباريش قيصر وكان وادعاً واستولى على النواحي وعلى عهده كان شأن المسيح وبغى اليهود عليه ورفعه الله من الأرض‏.‏ وأقام الحواريون من بعده واليهود يضطهدونهم ويحبسونهم علم إظهار أمرهم‏.‏ وكان بلاطس النبطي الذي كان قائداً على اليهود يسعى إلى طباريش بأخبار المسيح وبغي اليهود عليه وعلى يوحنا المعمدان وتبعتهم الحواريون من بعده بالأذية وأراه أنهم على حق فأمر بتخلية سبيلهم وهم بالأخذ بدينهم فمنعه من ذلك قومه‏.‏ ث م قبض على هيردوس وأحضره إلى رومة ثم نفاه إلى الأندلس فمات بها‏.‏ ثم ولى مكانه أغرياس ابن أخيه‏.‏ وافترق الحواريون في الآفاق لإقامة الدين وحمل الأمم على عبادة الله‏.‏ ثم قتل طباريش قيصر أغرياس ملك اليهود إلى أشر من حالهم وقتلوا أتباع الحواريين من الروم ومات طباريش لثلاث وعشرين من ملكه بعد أن جدد مدينة طبرية فيما قال ابن العميد واشتق اسمها من اسمه‏.‏ وملك من بعده غاينس قيصر‏.‏ وقال هروشيوش هو أخو طباريش وسماه غاينس فليفة بن أكتيبان‏.‏ وقال‏:‏ هو رابع القياصرة وأشدهم وأراد اليهود على نصب وثنه ببيت المقدس فمنعوه‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ ووقعت في أيامه شدة على النصارى وقتل يعقوب أخا يوحنا من الحواريين وحبس بطرس رئيسهم ثم هرب إلى أنطاكية فأقام بها‏.‏ وقدم هراديوس بطركاً عليها‏.‏ وهو أول البطاركة فيها‏.‏ ثم توجه إلى رومة لسنتين من ملك غانيس فدبرها خمساً وعشرين سنة ونصب فيها الأساقفة وتنصرت امرأة من بيت الملك فعضدت النصارى ولقي النصارى الذين بالقدس شدائد من اليهود وكان الأسقف عليهم يومئذ يعقوب بن يوسف الخطيب‏.‏ وقال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ إن فيلبس ملك مصر غزا اليهود أول سنة من ملك غانيس واستعبدهم سبع سنين‏.‏ قال وفي الرابعة من ملكه أمر عامله على اليهود بسورية وهي أورشاليم وهي بيت المقدس أن ينصب الأصنام في محاريب اليهود‏.‏ ووثب عليه بعض قواده فقتله‏.‏ وملك من بعده قلوديش قيصر‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ هو ابن طباريش وعلى عهده كتب متى الحواري إنجيله في بيت المقدس بالعبرانية‏.‏ قال ابن العميد ونقله يوحنا بن زبدي إلى الرومية قال‏:‏ وفي أيامه كتب بطرس رأس الحواريين إنجيله بالرومية وبعث به إلى مرقص تلميذه‏.‏ وكتب لوقا من الحواريين إنجيله بالرومية وبعث به إلى بعض الأكابر من الروم وكان لوقا طبيباً‏.‏ ثم عظم الفساد بين اليهود ولحق ملكهم أغرباش برومة فبعث معه أقلوديش عساكر الروم فقتلوا من اليهود خلقاً وحملوا إلى أنطاكية ورومة منهم سبياً عظيماً وخربت القدس وانجلى أهلها‏.‏ فلم يول عليهم القياصرة أحداً لخرابها‏.‏ قال ولسبع من ملك أقلوديش دخلت بطريقة من الروم في دين النصارى على يد شمعون الصفا وسمعت منه بالصليب فجاءت إلى القدس لإظهاره ورجعت إلى رومة‏.‏ وهلك أقلوديش قيصر لأربع عشرة سنة من ملكه وملك من بعده ابنه نيرون‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ هو سادس القياصرة وكان غشوماً فاسقاً وبلغه أن كثيراً من أهل رومة أخذوا بدين المسيح فنكر ذلك وقتلهم حيث وجدوا‏.‏ وقتل بطرس رأس الحواريين وأقام أريوس بطركاً برومة مكان بطرس من بعد خمس وعشرين سنة مضت لبطرس في كرسيها وهو رأس الحواريين ورسول المسيح إلى رومة‏.‏ وقتل مرقص الإنجيلي بالإسكندرية لاثنتي عشرة من ملكه وكان هنالك من منذ سبع سنين بها مساعداً إلى النصرانية بالإسكندرية ومصر وبرقة والمغرب وولى مكانه حنانيا ويسمى بالقبطية جنبار وهو أول البطارقة بها واتخذ معه الأقسة الاثني عشر‏.‏

قال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ وفي الثانية من ملك نيرون عزل بلخس القاضي كان على اليهود من جهة الروم وولى مكانه قسطس القاضي وقتل بوثار رئيس الكهنونية بالمقدس ومات القاضي قسطس فصار اليهود على من كان بالمقدس من النصارى وقتلوا أسقفهم هنالك وهو يعقوب بن يوسف النجار وهدموا البيعة وأخذوا الصليب والخشبتين ودفنوها إلى أن استخرجتها هلانة أم قسطنطين كما نذكر بعد‏.‏ وولي مكان يعقوب النجار ابن عمه شمعون بن كنابا ثم ثار بهم اليهود وأخرجوهم من المقدس لعشر من ملك نيرون فأجازوا الأردن وأقاموا هنالك‏.‏ وبعث نيرون قائده أسباشيانس وأمر بقتل اليهود وخراب القدس وتحصن اليهود منه وبنوا عليهم ثلاثة حصون وحاصرهم أسباشيانس وخرب جميع حصونهم وأحرقها وأقام عليهم سنة كاملة‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إن نيرون قيصر انتقض عليه أهل مملكته فخرج عن طاعته أهل برطانية من أرض الجوف ورجع أهل أرمينية والشام إلى طاعة الفرس‏.‏ فبعث صهره على أخته وهو يشبشيان ابن لوجية فسار إليهم في العساكر وغلبهم على أمرهم‏.‏ ثم زحف إلى اليهود بالشام وكانوا قد انتقضوا فحاصرهم بالقدس وبينما هو في حصاره إذ بلغه موت نيرون لأربع عشرة سنة من ملكه ثار به جماعة من قواده فقتلوه‏.‏ وكان قد بعث قائداً إلى جهة الجوف والأندلس فافتتح برطانية ورجع إلى رومة بعد مهلك نيرون قيصر فملكه الروم عليهم وأنه قتل أخاه يشبشبان فأشار عليه أصحابه بالانصراف إلى رومة‏.‏ وبشره رئيس اليهود وكان أسيراً عنده بالملك‏.‏ ويظهر أنه يوسف بن كريون الذي مر ذكره فانطلق إلى رومة وخلف ابنه طيطش على حصار القدس فافتتحها وخرب مسجدها وعمرانها كما مر ذكره‏.‏ قال‏:‏ وقتل منهم نحواً من ستمائة ألف ألف مرتين وهلك في حصارها جوعاً نحو هذا العدد وبيع من سراريهم في الآفاق نحواً من تسعين ألفاً وحمل منهم إلى رومة نحواً من مائة ألف استبقاهم لفتيان الروم يتعلمون المقاتلة فيهم ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح‏.‏ وهي الجلوة الكبرى كانت لليهود بعد ألف ومائة وستين سنة من بناء بيت المقدس ولخمسة آلاف ومائتين وثلاثين من مبدإ الخليقة ولثمانمائة وعشرين من بناء رومة‏.‏ فكان معه إلى أن افتتحها وكان المستبد بها بعد مهلك نيرون قيصر وانقطع ملك آل بولس قيصر لمائة وست عشرة سنة من مبدإ دولتهم‏.‏ واستقام ملك يشبشيان في جميع ممالك الروم وتسمى قيصر كما كان من قبل كلام هروشيوش‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ إن أسباشيانس لما بلغه وهو محاصر للقدس أن نيرون هلك ذهب بالعساكر الذين معه وبشره يوسف بن كريون كهنون طبرية من اليهود بأن مصير ملك القياصرة إليه‏.‏ ثم بلغه أن الروم بعد مهلك نيرون ملكوا غلبان بن قيصر فأقام عليهم تسعة أشهر وكان رديء السيرة وقتله بعض خدمه غيلة وقدموا عوضه أنون ثلاثة أشهر ثم خلعوه وملكوا أبطالس ثمانية أشهر فبعث أسباشيانس وهو الذي سماه هروشيوش يشبشيان قائدين إلى رومة فحاربوا أبطانش وقتلوه وسار أسباشيانس إلى رومة وبعث إليه طيطش المحاصر للقدس بالأموال والغنائم والسبي‏.‏ قال‏:‏ وكانت عدة القتلى ألف ألف والسبي تسعمائة ألف واحتمل الخوارج الذين كانوا قال ولما ملك طيطش بيت المقدس رجع النصارى الذين كانوا عبروا إلى الأردن فبنوا كنيسة بالمقدس وسكنوا‏.‏ وكان الأسقف فيهم سمعان بن كلوبا ابن عم يوسف النجار وهو الثاني من أساقفة المقدس‏.‏ ثم هلك أسباشيانس وهو يشبشيان لتسع سنين من ملكه وملك بعده ابنه طيطش قيصر سنتين وقيل ثلاثاً‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ لاربعمائة من ملك الإسكندر وقال هيروشيوش‏:‏ كان متفنناً في العلوم ملتزماً للخير عارفاً باللسان الغريقي واللطيني وولي بعده أخوه دومريان خمس عشرة سنة قال هيروشيوش‏:‏ وهو ابن أخت نيرون قيصر‏.‏ قال‏:‏ وكان غشوماً كافراً وأمر بقتل النصارى فعل خاله نيرون وحبس يوحنا الحواري وأمر بقتل اليهود من نسل داود حذراً أن يملكوا وهلك في حروب الإفرنج وسماه ابن العميد دانسطيانوس‏.‏ وقال‏:‏ ملك ست عشرة سنة وقيل تسعاً وكان شديداً على اليهود‏.‏ وقتل أبناء ملوكهم‏.‏ وقيل له إن النصارى يزعمون أن المسيح يأتي ويملك فأمر بقتلهم وبعث عن أولاد يهوذا بن يوسف من الحواريين وحملهم إلى رومة مقيدين وسألهم عن شأن المسيح فقالوا‏:‏ إنما يأتي عند انقضاء العالم فخلى سبيلهم‏.‏ وفي الثالثة من دولته طرد بطرك اسكندرية لسبع وثمانين سنة للمسيح وقدم مكانه ملموا فأقام ثلاث عشرة سنة ومات فولى مكانه كرماهو‏.‏ قال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ ولعهده كان أمر ليونيوس صاحب الطلسمات برومة فنفى ذوسطيالوس جميع الفلاسفة والمنجمين من رومة وأمر أن لا يغرس بها كرم‏.‏ ثم هلك ذوسطيالوس وهو الذي سماه هروشيوش دومريان وقال‏:‏ هلك في حروب الإفرنج وملك بعده برما ابن أخيه طيطش نحواً من سنتين وسماه ابن العميد تاوداس وقال أن المسبحي سماه قارون‏.‏ قال‏:‏ ويسمى أيضاً برسطوس وقال ملك على الروم سنة أو سنة ونصفاً وأحسن السيرة وأمر برد من كان منفياً من النصارى وخلاهم ودينهم ورجع يوحنا الإنجيلي إلى أفسس بعد ست سنين‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ أطلقه من السجن‏.‏ قال‏:‏ ولم يكن له ولد فعهد بالملك إلى طريانس من عظماء قواده وكان من أهل مالقة فولي بعده وتسمى قيصر‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ واسمه أنديانوس وسماه المسبحي طرينوس وملك على الروم باتفاق المؤرخين سبع عشرة سنة وقتل سمعان بن كلاويا أسقف بيت المقدس وأغناطيوس بطرك أنطاكية‏.‏ ولقي النصارى في أيامه شدة وتتبع أئمتهم بالقتل واستعبد عامتهم‏.‏ وهو ثالث القياصرة بعد نيرون في هذه الدولة‏.‏ ولعهده كتب يوحنا إنجيله برومة في بعض الجزائر لسادسة من ملكه وكان قد رجع اليهود إلى بيت المقدس فكثروا بها وعزموا على الانتقاض فبعث عساكره وقتل منهم خلقاً كثيراً‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إن الحرب طالت بينه وبين اليهود فخربوا كثيراً من المدن إلى عسقلان ثم إلى مصر والإسكندرية فانهزموا هنالك وقتلوا وزحفوا بعدها إلى الكوفة فأثخن فيهم بالقتل وخضد من شوكتهم‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وفي تاسعة من ملكة مات كوثبانو بطرك الإسكندرية لإحدى عشرة سنة من ولايته وولي مكانه أمرغو عشر سنوات أخرى‏.‏ وقال بطليموس صاحب كتاب المجسطي‏:‏ إن شيلوش الحكيم رصد برومة في السنة الأولى من ملك طرينوس وهو أندريانوس لأربعمائة وإحدى وعشرين للإسكندر ولثمانمائة وخمس وأربعين لبختنصر‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ خرج عليه خارجي ببابل فهلك في حروبه لتسع عشرة سنة من ولايته كما قلناه فولي من بعده أندريانوس إحدى وعشرين سنة‏.‏ وقال ابن العميد عن ابن بطريق عشرين سنة‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ إنه أثخن في اليهود ثم بنى مدينة المقدس وسماها إيلياء‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ كان شديداً على النصارى وقتل منهم خلقاً وأخذ الناس بعبادة الأوثان وفي ثامنة ملكه خرب بيت المقدس وقتل عامة أهلها وبنى على باب المدينة عموداً وعليه لوح نقش فيه مدينة إيلياء‏.‏ ثم زحف إلى الخارجي الذي خرج على طرنيوس قبله فهزمه إلى مصر وألزم أهل مصر حفر خليج من مجرى النيل إلى بحر القلزم وأجرى فيه الحلو ثم ارتدم بعد ذلك‏.‏ وجاء الفتح والدولة الإسلامية فألزمهم عمرو بن العاص حفره حتى جرى فيه الماء ثم انسد لهذا العهد‏.‏ وكان أندريانوس هذا قد بنى مدينة القدس ورجع إليها اليهود وبلغه أنهم يرومون الانتقاض وأنهم ملكوا عليهم زكريا من أبناء الملوك‏.‏ فبعث إليهم العساكر وتتبعهم بالقتل وخرب المدينة حتى عادت صحراء وأمر أن لا يسكنها يهودي وأسكن اليونان بيت المقدس‏.‏ وكان هذا الخراب لثلاث وخمسين سنة من خراب طيطش الذي هو الجلوة الكبرى‏.‏ وامتلأ القدس من اليونان وكانت النصارى يتردوون إلى موضع القبر والصليب يصلون فيه‏.‏ وكانت اليهود يرمون عليه الزبل والكناسات فمنعهم اليونان من الصلاة فيه وبنوا هنالك هيكلاً على اسم الزهرة‏.‏ وقال ابن العميد عن المسبحي‏:‏ وفي الرابعة من ملك أندريانوس بطل الملك من الرها وتداولتها القضاة من قبل الروم وبنى أندريانوس بمدينة أثنوس بيتاً ورتب فيه جماعة من الحكماء لمدارسة العلوم‏.‏ قال‏:‏ وفي خامسة ملكه قدم نسطس بطركاً على اسكندرية وكان حكيماً فاضلاً فلبث إحدى عشرة سنة ثم مات وقدم مكانه أمانيق في سادسة عشر من ملك أندريانوس فلبث إحدى عشرة سنة وهو سابع البطارقة‏.‏ ثم مات أندريانوس لإحدى وعشرين من ملكه كما مر وولي ابنه أنطونيش‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ ويسمى قيصر الرحيم‏.‏ وقال ابن العميد‏:‏ ملك اثنتين وعشرين‏.‏ وقال الصعيديون إحدى وعشرين‏.‏ قال‏:‏ وفي خامسة ملكه قدم مرتيانو بطركاً باسكندرية وهو الثامن منهم فلبث تسع سنين ومات وكان فاضل السيرة‏.‏ وقدم بعده كلوتيانو فلبث أربع عشرة سنة ومات في سابعة ملكه أوراليانوس بعده وكان محبوباً‏.‏ وقال بطليموس صاحب المجسطي‏:‏ إنه رصد الاعتدال الخريفي في ثالثة ملك أنطونيوس‏.‏ فكان لاربعمائة وثلاث وستين بعد الإسكندر‏.‏ ثم هلك أنطونيوس لاثنتين وعشرين كما مر‏.‏ فملك من بعده أوراليانوس‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ وهو أخو أنطونيوس وسماه أورالش وأنطونيوس الأصغر‏.‏ وقال كانت له حروب مع أهل فارس‏.‏ وبعد أن غلبوا على أرمينية وسورية من ممالكه فدفعهم عنهما وغلبهم في حروب طويلة‏.‏ ‏.‏ وأصاب الأرض على عهده وباء عظيم وقحط الناس سنتين واستسقى لهم النصارى فأمطروا وارتفع الوباء والقحط بعد أن كان اشتد على النصارى وقتل منهم خلقاً وهي الشدة الرابعة من بعد نيرون‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وفي السابعة من ملكه قدم على الإسكندرية البطرك أغريبوس فلبث اثني عشر سنة ومات في تاسعة عشر من ملك أنطونيوس الأصغر‏.‏ قال‏:‏ وفي أيامه ظهرت مبتدعة من النصارى واختلفت أقوالهم وكان منهم ابن ديصان وغيره فجاهدهم أهل الحق من الأساقفة وأبطلوا بدعتهم‏.‏ وهلك أنطونيوس هذا لتسع عشرة من ملكه وفي عاشرة ملكه ظهر أردشير بن بابك أول ملوك الساسانية واستولى علي ملك الفرس وكان صاحب الحض متملكاً على السواد فغلبه وملك السواد وقتله وقصته معروفة‏.‏ وكان لعهده جالينوس المشهور بالطب وكان ربي معه فلما بلغه أنه ملك على الروم قدم عليه من بلاد اليونان وأقام عنده وكان لعهده أيضاً ديمقراطس الحكيم ولأول سنة من ملكه قدم بليانوس بطركاً على إسكندرية وهو الحادي عشر من بطاركتها فلبث فيهم عشر سنين ومات‏.‏ وولي مكانه ديمتريوس فلبث فيهم ثلاثاً وثلاثين سنة‏.‏ ومات كمودة قيصر لثلاثة عشر كما قلناه فولي من بعده ورمتيلوش ثلاثة أشهر‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وسماه ابن بطريق فرطنوش وقال‏:‏ وملك ثلاثة أشهر‏.‏ وسماه غيره فرطيخوس وسماه الصعيديون برطانوس ومدة ملكه باتفاقهم شهران‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ اسمه اللبيس بن طيجليس وهو عم كمودة قيصر‏.‏ قال‏:‏ وولي سنة واحدة وقتله بعض قواده وأقام في الملك ستة أشهر وقتل‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وملك بعده يوليانس قيصر شهرين ومات‏.‏ ثم ولي سوريانوس قيصر وسماه بعضهم سويرس وسماه هروشيوش‏:‏ طباريش بن أرنت بن أنطونيش‏.‏ واختلفوا في مدته فقال ابن العميد عن ابن بطريق‏:‏ سبع عشرة سنة وقال المسبحي ثمان عشرة‏.‏ وعن أبي فانيوس ست عشرة وعن ابن الراهب ثلاث عشرة وعن الصعيديين سنتين‏.‏ قال وملك في رابعة من ملك أردشير واشتد على النصارى وفتك فيهم وسار إلى مصر‏.‏ والإسكندرية فقتلهم وهدم كنائسهم وشردهم كل مشرد وبنى بالإسكندرية هيكلاً سماه هيكل الإله قال هروشيوش‏:‏ هي الشدة الخامسة من بعد شدة نيرون‏.‏ قال‏:‏ ثم انتقض عليه اللطينيون ولم يزل محصوراً إلى أن هلك‏.‏ وملك من بعده أقطونيش‏.‏ قال ابن العميد عن ابن بطريق‏:‏ ست سنين‏.‏ وعن المسبحي‏:‏ سبع سنين‏.‏ وسماه أنطونيش قسطس‏.‏ قال‏:‏ وكان ابتداء ملكه عندهم لخمس وعشرين وخمسمائة من ملك الإسكندر ولعهده سار أردشير ملك الفرس إلى نصيبين فحاصرها وبنى عليها حصناً‏.‏ ثم بلغه أن خارجاً خرج عليه بخراسان فأجفل عنهم بعد المصالحة على أن لا يتعرضوا لحصنه‏.‏ فلما رحل بنوا من وراء الحصن وأدخلوه في مدينتهم‏.‏ ورجع أردشير فنازلهم وامتنعوا عليه فأشار بعض الحكماء بأن يجمع أهل العلم فيدعون الله دعوة رجل واحد ففعلوا فملك الحصن لوقته‏.‏ وقال هروشيوش لما ولي أنطونيش ضعف عن مقاومة الفرس فغلبوا على أكثر مدن الشام ونواحي أرمينية وهلك في حروبهم‏.‏ وولي بعده مفريق بن مركة وقتله قواد رومة لسنة من ملكه وكذا قال ابن العميد‏.‏ وسماه ابن بطريق بقرونشوش والمسبحي هرقليانوس قالوا جميعاً‏:‏ وملك من بعده أنطونيش‏.‏ قال ابن العميد عن ابن بطريق وابن الراهب‏:‏ ثلاث سنين وعن المسبحي والصعيديين‏:‏ أربع سنين‏.‏ قال‏:‏ وفي أول سنة من ملكه بنيت مدينة عمان بأرض فلسطين‏.‏ وملك سابور بن بن أردشير مدناً كثيرة من الشام‏.‏ ومات أنطونيش فملك من بعده إسكندروس لثلاث وعشرين من ملك سابور بن أردشير فملك على الروم ثلاث عشرة سنة‏.‏ وكانت أمه محبة في النصارى‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ملك عشرين سنة وكانت أمه نصرانية وكانت النصارى معه في سعة من أمرهم‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وفي سابعة ملكه قدم تاوكلاً بطركاً بالإسكندرية وهو الثالث عشر من البطاركة فلبث فيهم ست عشرة سنة ومات‏.‏ قال هروشيوش‏:‏ ولعشر من ملكه غزا فارس فقتل سابور بن أردشير وانصرف ظافراً فثار عليه أهل رومة وقتلوه‏.‏ وملك من بعده مخشميان بن لوجية ثلاث سنين‏.‏ ولم يكن من بيت الملك وإنما ولوه لأجل حرب الافرنج واشتد على النصارى الشدة السادسة من بعد نيرون‏.‏ وأما ابن العميد فسماه فقيموس ووافق على الثلاث سنين في مدته وعلى ما لقي النصارى منه وأنه قتل منهم سرحبوس في سلمية وواجوس في بالس على الفرات‏.‏ وقتل بطرك أنطاكية فسمع أسقف بيت المقدس بقتله فهرب وترك الكرسي‏.‏ قال وفي ثالثة ملكه ملك سابور بن أردشير خلاف ما زعم هروشيوش من أنه قتله ثم هلك فقيموس أرمشميان وولي من بعده يونيوس ثلاثة أشهر وقتل فيما قال ابن العميد‏.‏ وقال‏:‏ سماه أبو فانيوس لوكس قيصر وابن بطريق بلينايوس ولم يذكره هروشيوش‏.‏ ثم ملك عرديانوس قيصر‏.‏ قال ابن العميد عن ابن بطريق وابن الراهب‏:‏ أربع سنين وعن المسبحي والصعيديين‏:‏ سنين وسماه أبو فانيوس فودينوس والصعيديون قرطانوس‏.‏ قال‏:‏ وكان ملكه لإحدى وخمسين وخمسمائة من ملك الإسكندر‏.‏ وقال هروشيوش غرديار بن بليسان‏.‏ قال‏:‏ وملك سبع سنين وطالت حروبه مع الفرس وكان ظافراً عليهم وقتله أصحابه على نهر الفرات‏.‏ قال وولي بعده فيلبس بن أولياق بن أنطونيش سبع سنين وهو ابن عم الإسكندر الملك قبله وأول من تنصر من ملوك الروم‏.‏ وقال ابن العميد عن الصعيديين‏:‏ ملك ست سنين وقيل تسع سنين وكان ملكه لخمس وخمسين وخمسمائة من ملك الإسكندر وآمن بالمسيح‏.‏ وفي أول من ملكه قدم دنوشيوش بطركاً بالإسكندرية وهو رابع عشر البطاركة بها فلبث تسع عشرة سنة‏.‏ ولعهد فيلبس هذا قدم غرديانوس أسقفاً على بيت المقدس بعد هروب مركيوس ثم عاد من هروبه فأقام شريكاً معه سنة واحدة‏.‏ ومات غرديانوس فانفرد مركيوش أسقفاً ببيت المقدس عشر سنين‏.‏ قال‏:‏ وقتل فيلبس قيصر قائد من قواده يقال له دافيس وملك مكانه خمس سنين‏.‏ وقال عن المسبحي وابن الراهب سنة وعن ابن طريق سنتين‏.‏ قال‏:‏ وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدة وكان من أولاد الملوك وقتل بطرك رومة وأجاز من مدينة قرطاجنة إلى مدينة أفسس وبنى بها هيكلاً وحمل النصارى على السجود له‏.‏ قال‏:‏ وفي أيامه كانت قصة فتية أهل الكهف وظهروا بعده في أيام تاودسيوس‏.‏ وأما هروشيوش فسماه داجية بن مخشيميان وقال‏:‏ ملك سنة واحدة وكانت على النصارى في أيامه الشدة السابعة وقتل بطرك رومة منهم‏.‏ وولي من بعده غالش قيصر سنتين واستباح في قتل النصارى وباء عظيم أقفلت له المدن‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ هو غالش بن يولياش‏.‏ وقال ابن بطريق‏:‏ إن يولياش كان شريكاً له في ملكه ومات قبله‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ إحدى عشرة سنة لسبعين وخمسمائة من ملك الإسكندر‏.‏ وقال هروشيوش وابن بطريق ملك خمس عشرة سنة واسمه غاليوش‏.‏ وقال المسبحي خمس عشرة سنة وسماه داقيوس وغاليوش ابنه‏.‏ وقال آخرون اسمه أورليوش وملك خمس سنين‏.‏ وقال أبو فانيوس اسمه غليوس وملك أربع عشرة سنة‏.‏ وقال الصعيديون ملك كذلك واسمه أراليونوس‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وكان يعبد الأصنام ولقي النصارى منه شدة‏.‏ وفي أول سنة من ملكه قدم مكسيموس بطركاً بالإسكندرية وهو الخامس عشر من بطاركتها فلبث اثنتي عشرة سنة ومات‏.‏ وهو خامسة ملكه قدم اسكندروس إسقفاً ببيت المقدس ثم قتله بعد سبع سنين وبعث ابنه في عساكر الروم لغزو الفرس فانهزم وحمل أسيراً إلى كسرى بهرام فقتله‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ولي غلينوس خمس عشرة سنة فاشتد على النصارى الأمر وقتلهم وقتل معهم بطرك بيت المقدس وكانت له حروب مع الفرس أسره في بعضها ملكهم سابور ثم من عليه وأطلقه‏.‏ ووقع في أيامه برومة وباء عظيم فرفع طلبه عن النصارى بسببه‏.‏ وفي أيامه خرج القوط من بلادهم وتغلبوا على بلاد الغريقيين ومقدونية وبلاد النبط‏.‏ وكان هؤلاء القوط يعرفون بالسنسبين وكانت مواطنهم في ناحية بلاد السريانيين فخرجوا لعهد غلينوس هذا وغلبوا كما قلناه على بلاد الغريقيين ومقدونية وعلى مرية وهلك غلينوس قتيلاً على يد قواد رومة‏.‏ ثم ملك أقاويدوش قيصر سنة واحدة‏.‏ وقال ابن العميد عن المسبحي سنة وتسعة أشهر لثمانين وخمسمائة للاسكندر وفي أول سنة من ملكه قدم يونس السميصاني بطركاً بانطاكية فلبث ثمان سنين وكان يقول بالوحدانية ويجحد الكلمة بالروح‏.‏ ولما مات اجتمع الأساقفة بأنطاكية وردوا مقالته‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ولي بعد غلينوش فلوديش ابن يلاريان بن موكله فنسبه هكذا‏.‏ وقال فيه من عظماء القواد ولم يكن من بيت الملك ودفع القوط المتغلبين عن مقدونية من منذ خمس عشرة سنة عليها ومات لسنتين من ملكه وهذا كما قال المسبحي‏.‏ وقال هروشيوش ولي بعده أخوه نطيل سبع عشرة يوماً وقتله بعض القواد ولم يذكر ذلك ابن العميد‏.‏ ثم ملك بعده أوريليانس ست سنين وسماه ابن بطريق أوراليوس والمسبحي أرينوس وأبو فانيوس أوليوش وهروشيوش أوراليان بن بلنسيان وقال‏:‏ ملك خمس سنين‏.‏ قال ابن العميد‏:‏ وفي الرابعة من ملكه قدم تاوناً بطركاً بالإسكندرية سادس عشر البطاركة فلبث عشر سنين‏.‏ وكان النصارى يقيمون الدين خفية‏.‏ فلما صار بطركاً قابل الروم ولاطفهم بالهدايا فأذنوا له في بناء كنيسة مريم وأعلنوا فيها بالصلاة‏.‏ قال‏:‏ وفي سادسة ملكه ولد قسطنطين وقال هروشيوش‏:‏ إن أورليان بن بلنسيان هذا حاب القوط فظفر بهم ودد بناء رومة واشتد على النصارى تاسعة بعد نيرون ثم قتل‏.‏ فولي بعده طانيش بن إلياس وملك قريباً من سنة‏.‏ وقال ابن العميد اسمه طافسوس وملك ستة أشهر‏.‏ وقال ابن بطريق اسمه طافساس وملك تسعة أشهر‏.‏ ثم ملك فروفش قيصر خمس سنين‏.‏ وقال أبو فانيوس‏:‏ اسمه فروش وقال ابن بطريق وابن الراهب والصعيديون ست سنين‏.‏ وقال المسبحي سبع سنين وسماه ألاكيوس وأرفيون‏.‏ وسماه ابن بطريق بروش وسماه هروشيوش فاروش بن أنطويش‏.‏ قال‏:‏ وتغلب على كثير من بلاد الفرس‏.‏ وقال ابن العميد كان ملكه لسابعة من ملك سابور ذي الأكتاف ولخمسمائة واثنتين وتسعين من ملك الإسكندر وكان شديداً على النصارى وقتل منهم خلقاً كثيراً وهلك هو وإبناه في الحرب‏.‏ وقال هروشيوش‏:‏ ولما هلك فاروش ولي من بعده أبنه مناربان وقتل لحينه ولم يذكره ابن العميد‏.‏ ثم ملك بقلاديانوش إحدى وعشرين سنة‏.‏ وقال المسبحي عشرين سنة‏.‏ وقال غيره ثماني عشرة سنة‏.‏ وملك لخمسمائة وخمس وتسعين للإسكندر‏.‏ وقال غيرهم‏:‏ كان اسمه عربياً وارتقى في أطوار الخدمة عند القياصرة إلى أن استخلصه فاريوش وجعله على خيله وكان حسن المزمار‏.‏ ويقال إن الخيل كانت ترقص طرباً لمزاميره وعشقته بنت فاريوش الملك‏.‏ ولما مات أبوها وإخوتها ملكها الروم عليهم فتزوجته وسلمت له في الملك فاستولى على جميع ممالك الروم وما والاها وقسطنطش ابن عمه على بلاد أشيا وبيزنطية وأقام هو بأنطاكية وله الشام ومصر إلى أقصى المغرب‏.‏ وفي تاسعة عشر من ملكه انتقض أهل مصر الإسكندرية فقتل منهم خلقاً ورجع إلى عبادة الأصنام وأمر بغلق الكنائس ولقي النصارى منه شدة وقتل القسيس مار جرس وكان مش أكابر أبناء البطارقة وقتل ملقوس منهم أيضاً‏.‏ وفي عاشرة ملكه قدم مار بطرس بطركاً بالإسكندرية فلبث عشر سنين وقتله وجعل مكانه تلميذه اسكندروس وكان كبير تلامذته أريوش كثيراً لمخالفة له فسخطه وطرده ولما مات مار بطرس قال ابن العميد‏:‏ وفي أيام ديقلاديانوس خرج قسطنطش ابن عمه ونائبه على بيزنطيا وأشيا ورأى هلانة وكانت تنصرت على يد أسقف الرها فأعجبته وتزوجها وولدت له قسطنطين وحضر المنجمون لولادته فأخبروا بملكه فأجمع ديقلاديانوس على قتله فهرب إلى الرها‏.‏ ثم جاء بعد موت ديقلاديانوس فوجد أباه قسطنطس قد ملك على الروم فتسلم الملك من يده على ما نذكر‏.‏ وهلك ديقلاديانوس لعشرين سنة من ملكه ولستمائة وست عشرة سنة من ملك الإسكندر وملك من بعده ابنه مقسيمانوس‏.‏ قال ابن بطريق‏:‏ سبع سنين وقال المسبحي وابن الراهب‏:‏ سنة واحدة‏.‏ قالوا وكان شريكه في الملك مقطوس وكان أشد كفراً من ديقلاديانوس ولقي النصارى منهما شدة وقتلا منهم خلقاً كثيراً‏.‏ وفي أول سنة من ملكه قدم الإسكندروس تلميذ مار بطرس الشهير بطركاً بالإسكندرية فلبث فيهم ثلاثاً وعشرين سنة‏.‏ وعلى عهد مقسيمانوس تذكر تلك الخرافة بين المؤرخين من أن سابور ملك الفرس دخل أرض الروم متنكراً وحضر مكان مقسيمانوس وسجنه في جلد بقرة وسار إلى مملكة فارس وسابور في ذلك الجلد وهرب منه ولحق بفارس وهزم الروم في حكاية مستحيلة وكلها أحاديث خرافة‏.‏ والصحيح منه أن سابور سار إلى مملكة الروم فخرج إليه مقسيمانوس واستولى على ملكه كما نذكر بعد‏.‏ ثم قال‏:‏ وقام بملكهم ديوقاريان وثأر من قاتله‏.‏ ثم خرج عليه أقرير بن قاريوس فقتله ديوقاريان بعد حروب طويلة‏.‏ ثم انتقض عليه أهل ممالكه وثار الثوار ببلاد الافرنجة والأندلس وأفريقية ومصر وسار إليه سابور ذو الأكتاف فدفع ديوقاريان إلى هذه الحروب كلها مخشميان هركوريش وصيره قيصراً فبدأ أولاً ببلاد الافرنجة فغلب الثوار بها وأصلحها‏.‏ وكان الثائر الذي بالأندلس قد ملك برطانية سبع سنين فقتله بعض أصحابه ورجعت برطانية إلى ملك ديوقاريان‏.‏ ثم استعمل مخشميان خليفة ديوقاريان صهره قسطنطش وأخاه مخشمس ابني وليتنوس فمضى إلى أفريقية وقهر الثوار بها وردها إلى طاعة الرومانيين‏.‏ وزحف ديوقاريان قيصر الأعظم إلى مصر والإسكندرية فحصر الثائر بها إلى أن ظفر به وقتله‏.‏ ومضى قسطنطش إلى الليمانيين في ناحية بلاد الافرنج فظفر بهم بعد حروب طويلة وزحف مخشميان خليفة ديوقاريان إلى سابور ملك الفرس فكانت حروبه معه سجالاً حتى غلبه وأصاب منه واستأصل مدينة غورة والكوفة من بلاده سبياً وقتلاً ورجع إلى رومة‏.‏ ثم سرحه ديوقاريان قيصر إلى حروب أهل غالش من الافرنجة فأثخن فيهم قتلاً وسبياً‏.‏ ثم اشتد ديوقاريان على النصارى الشدة العاشرة بعد نيرون وأثخن فيهم بالقتل ودام ذلك عليهم عشر سنين‏.‏ ثم اعتزل ديوقاريان وخليفته مخشميان الملك ورفضاه ودفعاه إلى قسطنش ابن وليتنوش وأخيه مخشمس ويسمى غلاريس فاقتسما ملك الرومانيين‏.‏ فكان لمخشمس غلاريش ناحية الشرق وكان لقسطنش ناحية المغرب‏.‏ وكانت أفريقية وبلاد الأندلس وبلاد الافرنج في ملكته‏.‏ وهلك ديوقاريان ومخشميان معتزلين عن الملك بناحية الشام وأقام قسنطش في الملك‏.‏ ثم هلك ببرطانية وأقام بملك اللطينيين من بعده ابنه قسطنطين‏.‏ انتهى كلام هروشيوش‏.‏ ويظهر أن هذا الملك الذي سماه ابن العميد ديتلاديانوس هو الذي سماه هروشيوش ديوقاريان والخبر من بعد ذلك متشابه والأسماء مختلفة ولا يخفى عليك وضع كل اسم في مكانه من الآخر والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏